215
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی

فقال له عُبيد : أفلا غير هذا ؟ قال : وما هو ؟ قال : لا تفسد على معاوية رأيه ، ولا تبغّض إليه ابنه ، وألقى أنا يزيد فاُخبره أنّ أمير المؤمنين كتب إليك يستشيرك في البيعة له ، وأنّك تتخوّف خلاف الناس عليه لِهَنات ۱ ينقمونها عليه ، وأنّك ترى له ترك ما ينقم عليه لتستحكم له الحجّة على الناس ، ويتمّ ما تريد ، فتكون قد نصحت أمير المؤمنين وسلمت ممّا تخاف من أمر الاُمّة .
فقال زياد : لقد رميت الأمر بِحُجرِهِ ، اشخَص على بركة اللّه ، فإن أصبت فما لا يُنكَر ، وإن يكن خطأ فغيرُ مُستَغَشٍّ ۲ ، وتقول بما ترى ، ويقضي اللّه بغيب ما يعلم .
فقدم على يزيد فذكر ذلك له ، فكفّ عن كثيرٍ ممّا كان يصنع ، وكتب زياد معه إلى معاوية يشير بالتُّؤَدَةِ ۳ وألّا يعجل ، فقبل منه ، فلمّا مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه يزيد ، فأرسل إلى عبداللّه بن عمر مئة ألف درهم فقبلها ، فلمّا ذكر البيعة ليزيد قال ابن عمر : هذا أراد ؟ ! إنّ ديني إذا لرخيص ! ! وامتنع . ۴

بيعة يزيد في الشام وقتل الحسن السبط دونها

لمّا اجتمعت عند معاوية وفود الأمصار بدمشق ـ بإحضارٍ منه ـ وكان فيهم الأحنف بن قيس ، دعا معاوية الضحّاك بن قيس الفهري فقال له :
إذا جلستُ على المنبر وفرغتُ من بعض موعظتي وكلامي فاستأذنّي للقيام ، فإذا أذنت لك ، فاحمد اللّه تعالى واذكر يزيد ، وقل فيه الّذي يحقُّ له عليك من حسن الثناء عليه ، ثمّ ادعُني إلى توليته من بعدي ، فإنّي قد رأيت وأجمعت على توليته ، فأسأل اللّه في ذلك وفي غيره الخيرة وحسن القضاء .
ثمّ دعا عبد الرّحمن بن عثمان الثقفي ، وعبداللّه بن مسعدة الفزاري ، وثور بن

1.يقال : في فلان هَناتٌ : أي خِصال شرّ ، ولا يقال في الخير (النهاية : ج ۵ ص ۲۷۹ «هنا») .

2.استغشّه : خلاف استنصحه (الصحاح : ج ۳ ص ۱۰۱۳ «غشش») .

3.التؤدة : تقول : اتّأد وتوأد ؛ وهو التمهّل والتأنّي والرزانة (كتاب العين : ج ۸ ص ۹۷ «وأد») .

4.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۰۲ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۰۹ ، تاريخ دمشق : ج ۳۸ ص ۲۱۲ .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
214

وأعطاهم ثلاثين ألف درهم ، وجعل عليهم ابنه موسى بن المغيرة ، وقدموا على معاوية فزيّنوا له بيعةَ يزيد ودعَوه إلى عقدها ، فقال معاوية : لا تعجلوا بإظهار هذا وكونوا على رأيكم . ثمَّ قال لموسى : بِكَمِ اشترى أبوك من هؤلاء دينَهم ؟ قال : بثلاثين ألفا ، قال : لقد هان عليهم دينُهم !
وقيل : أرسل أربعين رجلاً وجعل عليهم ابنه عروة ، فلمّا دخلوا على معاوية قاموا خطباء فقالوا : إنَّما أشخصهم إليه النظر لاُمّة محمّد صلى الله عليه و آله ، وقالوا : يا أمير المؤمنين ، كَبِرَت سِنُّك وخِفنَا انتشارَ الحبل فَانصَب لنا عَلَما ، وحدّ لنا حدّا ننتهي إليه ، فقال : أشيروا عليَّ ، فقالوا : نشير بيزيد ابن أمير المؤمنين ، فقال : أوَقد رضيتموه ؟ قالوا : نعم ، قال : وذلك رأيكم ؟ قالوا : نعم ، ورأي مَن وراءنا ، فقال معاوية لعروة سرّا عنهم : بكم اشترى أبوك من هؤلاء دينهم ؟ قال : بأربعمئة دينار . قال : لقد وجد دينهم عندهم رخيصا ! وقال لهم : ننظر ما قَدِمتُم له ، ويقضي اللّه ما أراد ، والأناة خيرٌ من العجلة . فرجعوا .
وقوي عزم معاوية على البيعة ليزيد ، فأرسل إلى زياد يستشيره ، فأحضر زياد عبيد بن كعب النميري وقال له : إنّ لكلّ مستشير ثقة ، ولكلّ سرّ مستودع ، وإنّ الناس قد أُبدع بهم خصلتان : إذاعة السرّ ، وإخراج النصيحة إلى غير أهلها ، وليس موضوع السرّ إلّا أحد رجلين : رجلُ آخرةٍ يرجو ثوابَها ، ورجلُ دنيا له شَرَفٌ في نفسه وعقلٌ يصون حَسَبَهُ ، وقد خَبَرتُهما منك ، وقد دعوتُك لأمرٍ اتّهمتُ عليه بطون الصحف : إنّ أمير المؤمنين كتب يستشيرني في كذا وكذا ، وإنّه يتخوّف نفرة الناس ، ويرجو طاعتهم ، وعلاقةُ أمرِ الإسلام وضمانُه عظيم ، ويزيد صاحب رَسْلَة ۱ وتهاون مع ما قد أولع به من الصيد ، فالقَ أمير المؤمنين وأدِّ إليه فعلات يزيد ، وقل له : رُوَيدَكَ بالأمر ، فأحرى لك أن يتمّ لك ، لا تعجل ؛ فإنّ دَرَكا ۲ في تأخيرٍ خيرٌ من فوتٍ في عجلة .

1.رجلٌ فيه رسلة : أي كسل (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۲۸۳ «رسل») .

2.الدرك : اللحاق والوصول إلى الشيء (لسان العرب : ج ۱۰ ص ۴۲۰ «درك») .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّانی
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4656
صفحه از 448
پرینت  ارسال به