أنَّهُ قَد بَلَغَكَ عَنّي اُمورٌ أنتَ لي عَنها راغِبٌ وأنَا لِغَيرِها عِندَكَ جَديرٌ ، فَإِنَّ الحَسَناتِ لا يَهدي لَها ولا يَرُدُّ إلَيها إلَا اللّهُ .
وأمّا ما ذَكَرتَ أنَّهُ انتَهى إلَيكَ عَنّي ، فَإِنَّهُ إنَّما رَقاهُ إلَيكَ المَلّاقونَ المَشّاؤونَ بِالنَّميمِ ، وما اُريدُ لَكَ حَربا ولا عَلَيكَ خِلافا ، وَايمُ اللّهِ ، إنّي لَخائِفٌ للّهِِ في تَركِ ذلِكَ ، وما أظُنُّ اللّهَ راضِيا بِتَركِ ذلِكَ ، ولا عاذِرا بِدونِ الإِعذارِ فيهِ إلَيكَ ، وفي أولِيائِكَ القاسِطينَ المُلحِدينَ حِزبِ الظَّلَمَةِ وأولِياءِ الشَّياطينِ .
ألَستَ القاتِلَ حُجرَ بنَ عَدِيٍّ أخا كِندَةَ ، وَالمُصَلّينَ العابِدينَ الَّذينَ كانوا يُنكِرونَ الظُّلمَ ويَستَعظِمونَ البِدَعَ ولا يَخافونَ فِي اللّهِ لَومَةَ لائِمٍ ، ثُمَّ قَتَلتَهُم ظُلما وعُدوانا مِن بَعدِ ما كُنتَ أعطَيتَهُمُ الأَيمانَ المُغَلَّظَةَ وَالمَواثيقَ المُؤَكَّدَةَ ، لا تَأخُذُهُم بِحَدَثٍ كانَ بَينَكَ وبَينَهُم ولا بِإِحنَةٍ ۱ تَجِدُها في نَفسِكَ .
أوَلَستَ قاتِلَ عَمرِو بنِ الحَمِقِ صاحِبِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، العَبدِ الصّالِحِ الَّذي أبلَتهُ العِبادَةُ
فَنَحَلَ جِسمُهُ وصُفِّرَت لَونُهُ ، بَعدَما آمَنتَهُ وأعطَيتَهُ مِن عُهودِ اللّهِ ومَواثيقِهِ ما لَو أعطَيتَهُ طائِرا لَنَزَلَ إلَيكَ مِن رَأسِ الجَبَلِ ، ثُمَّ قَتَلتَهُ جُرَأَةً عَلى رَبِّكَ وَاستِخفافا بِذلِكَ العَهدِ ؟ أوَ لَستَ المُدَّعِيَ زِيادَ بنَ سُمَيَّةَ المَولودَ عَلى فِراشِ عُبَيدِ ثَقيفٍ ، فَزَعَمتَ أنَّهُ ابنُ أبيكَ ، وقَد قالَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «الوَلَدُ لِلفِراشِ ولِلعاهِرِ الحَجَرُ» فَتَرَكتَ سُنَّهَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله تَعَمُّدا ، وتَبِعتَ هَواكَ بِغَيرِ هُدىً مِنَ اللّهِ .
ثُمَّ سَلَّطتَهُ عَلَى العِراقَينِ ، يَقطَعُ أيدِي المُسلِمينَ وأرجُلَهُم ، ويَسمُلُ أعيُنَهُم ، ويُصَلِّبُهُم عَلى جُذوعِ النَّخلِ ، كَأَنَّكَ لَستَ مِن هذِهِ الاُمَّةِ ولَيسوا مِنكَ ؟
أوَ لَستَ صاحِبَ الحَضرَمِيّينَ الَّذينَ كَتَبَ فيهِمُ ابنُ سُمَيَّةَ أنَّهُم كانوا عَلى دينِ عَلِيٍّ عليه السلام ؟ فَكَتَبتَ ۲ إلَيهِ أنِ اقتُل كُلَّ مَن كانَ عَلى دينِ عَلِيٍّ فَقَتَّلَهُم ومَثَّلَهُم ؟ ودينُ عَلِيٍّ عليه السلام سِرُّ اللّهِ الَّذي كانَ يَضرِبُ عَلَيهِ أباكَ ويَضرِبُكَ ، وبِهِ جَلَستَ مَجلِسَكَ الَّذيجَلَستَ ، ولَولا ذلِكَ لَكانَ شَرَفُكَ وشَرَفُ أبيكَ الرِّحلَتَينِ .
وقُلتَ فيما قُلتَ : «اُنظُر لِنَفسِكَ ولِدينِكَ ولِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ ، وَاتَّقِ شَقَّ عَصا هذِهِ الاُمَّةِ وأن تَرُدَّهُم إلى فِتنَةٍ» وإنّي لا أعلَمُ فِتنَةً أعظَمَ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ مِن وِلايَتِكَ عَلَيها ، ولا أعلَمُ نَظَرا لِنَفسي ولِديني ولِاُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله وعَلَينا أفضَلَ مِن أن اُجاهِدَكَ ؛ فَإِن فَعَلتُ فَإِنَّهُ قُربَةٌ إلَى اللّهِ ، وإن تَرَكتُهُ فَإِنّي أستَغفِرُ اللّهَ لِديني ، وأسأَلُهُ تَوفيقَهُ لِاءِرشادِ أمري .
وقُلتَ فيما قُلتَ : «إنّي إن أنكَرتُكَ تُنكِرُني وإن أكِدكَ تَكِدني»! فَكِدني ما بَدا لَكَ ، فَإِنّي أرجو ألّا يَضُرَّني كَيدُكَ فِيَّ ، وأن لا يَكونَ عَلى أحَدٍ أضَرَّ مِنهُ عَلى نَفسِكَ ، عَلى أنَّكَ قَد رَكِبتَ بِجَهلِكَ ، وتَحَرَّصتَ عَلى نَقضِ عَهدِكَ ، ولَعَمري ما وَفَيتَ بِشَرطٍ .
ولَقَد نَقَضتَ عَهدَكَ بِقَتلِكَ هؤُلاءِ النَّفَرِ الَّذينَ قَتَلتَهُم بَعدَ الصُّلحِ وَالأَيمانِ وَالعُهودِ وَالمَواثيقِ ، فَقَتَلتَهُم مِن غَيرِ أن يَكونوا قاتَلوا وقُتِلوا ، ولَم تَفعَل ذلِكَ بِهِم إلّا لِذِكرِهِم فَضلَنا وتَعظيمِهِم حَقَّنا ، فَقَتَلتَهُم مَخافَةَ أمرٍ لَعَلَّكَ لَو لَم تَقتُلهُم مِتَّ قَبلَ أن يَفعَلوا ، أوماتوا قَبلَ أن يُدرَكوا .
فَأَبشِر يا مُعاوِيَةُ بِالقِصاصِ وَاستَيقِن بِالحِسابِ ، وَاعلَم أنَّ للّهِِ تَعالى كِتابا لا يُغادِرُ صَغيرَةً ولا كَبيرَةً إلّا أحصاها ۳ ، ولَيسَ اللّهُ بِناسٍ لِأَخذِكَ بِالظِّنَّةِ وقَتلِكَ أولِياءَهُ عَلَى التُّهَمِ ، ونَقلِ أولِيائِهِ مِن دورِهِم إلى دارِ الغُربَةِ ، وأخذِكَ لِلنّاسِ بِبَيعَةِ ابنِكَ غُلامٍ حَدَثٍ ، يَشرَبُ الخَمرَ ، ويَلعَبُ بِالكِلابِ . لا أعلَمُكَ إلّا وقَد خَسِرتَ نَفسَكَ ، وتَبَّرتَ ۴
1.الإحْنَة: أي الحقد (الصحاح : ج ۵ ص ۲۰۶۸ «أحن») .
2.في المصدر : «فكتب» ، وما في المتن أثبتناه من بحار الأنوار .
3.إشارة إلى الآية ۴۹ من سورة الكهف .
4.التَّبْرُ : الكسر والإهلاك (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۶۲ «تبر») . أي : أهلكت دينك .