فَقالَ : يا أهلَ الكوفَةِ ! لِاُمِّكُمُ الهَبَلُ ۱ وَالعُبرُ ۲ ، إذ دَعَوتُموهُ حَتّى إذا أتاكُم أسلَمتُموهُ ، وزَعَمتُم أنَّكُم قاتِلو أنفُسِكُم دونَهُ ، ثُمَّ عَدَوتُم عَلَيهِ لِتَقتُلوهُ ، أمسَكتُم بِنَفسِهِ ، وأخَذتُم بِكَظَمِهِ ، وأحَطتُم بِهِ مِن كُلِّ جانِبٍ ، فَمَنَعتُموهُ التَّوَجُّهَ في بِلادِ اللّهِ العَريضَةِ حَتّى يَأمَنَ ويَأمَنَ أهلُ بَيتِهِ ، وأصبَحَ في أيديكُم كَالأَسيرِ لا يَملِكُ لِنَفسِهِ نَفعا ولا يَدفَعُ ضَرّا ، وحَلَأتُموهُ ونِساءَهُ واُصَيبِيَتَهُ وأصحابَهُ عَن ماءِ الفُراتِ الجارِي ، الَّذي يَشرَبُهُ اليَهودِيُّ وَالمَجوسِيُّ وَالنَّصرانِيُّ ، وتَمَرَّغُ فيهِ خَنازيرُ السَّوادِ وكِلابُهُ ، وهاهُم اُولاءِ قَد صَرَعَهُمُ العَطَشُ ، بِئسَما خَلَفتُم مُحَمَّدا في ذُرِّيَّتِهِ ، لا سَقاكُمُ اللّهُ يَومَ الظَّمَأِ إن لَم تَتوبوا وتَنزَعوا عَمّا أنتُم عَلَيهِ مِن يَومِكُم هذا في ساعَتِكُم هذِهِ .
فَحَمَلَت عَلَيهِ رَجّاَلةٌ لَهُم تَرميهِ بِالنَّبلِ ، فَأَقبَلَ حَتّى وَقَفَ أمامَ الحُسَينِ عليه السلام . ۳
۱۶۹۳.تاريخ الطبري عن هلال بن يساف :كانَ فيمَن بُعِثَ إلَيهَ [إلَى الحُسَينِ عليه السلام ] الحُرُّ بنُ يَزيدَ الحَنظَلِيُّ ثُمَّ النَّهشَلِيُّ عَلى خَيلٍ ، فَلَمّا سَمِعَ ما يَقولُ الحُسَينُ عليه السلام ، قالَ لَهُم : ألا تَقبَلونَ مِن هؤُلاءِ ما يَعرِضونَ عَلَيكُم ؟ وَاللّهِ لَو سَأَلَكُم هذَا التُّركُ وَالدَّيلَمُ ما حَلَّ لَكُم أن تَرُدّوهُ ، فَأَبَوا إلّا عَلى حُكُمِ ابنِ زِيادٍ .
فَصَرَفَ الحُرُّ وَجهَ فَرَسِهِ وَانطَلَقَ إلَى الحُسَينِ عليه السلام وأصحابِهِ ، فَظَنّوا أنَّهُ إنَّما جاءَ لِيُقاتِلَهُم ، فَلَمّا دَنا مِنهُم قَلَبَ تُرسَهُ وسَلَّمَ عَلَيهِم ، ثُمَّ كَرَّ عَلى أصحابِ ابنِ زِيادٍ
1.الهَبَل : الثُّكل ؛ وهو الموت ، والهلاك ، وفقدان الحبيب (راجع : لسان العرب : ج ۱۱ ص ۶۸۶ «هبل» و ص ۸۸ «ثكل») .
2.العُبر : البكاء بالحُزن ؛ يقال : لاُمّه العُبْر والعَبَر (لسان العرب : ج ۴ ص ۵۳۲ «عبر») .
3.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۲۷ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۵۶۳ وليس فيه من «فأقبل حتّى وقف» إلى «لخرجت معه إلى الحسين عليه السلام » ؛ الإرشاد : ج ۲ ص ۹۹ ، إعلام الورى : ج ۱ ص ۴۶۰ ، مثير الأحزان : ص ۵۸ كلّها نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۱۰ وراجع : أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۹۷ والأخبار الطوال : ص ۲۵۶ والمناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۹۹ وروضة الواعظين : ص ۲۰۴ .