فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : قُل ما شِئتَ ، فَإِنّي مُجيبُكَ عَنهُ .
فَقالَ الأَعرابِيُّ : إنّي بَدَوِيٌّ وأكثَرُ مَقالِي الشِّعرُ ، وهُوَ ديوانُ العَرَبِ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : قُل ما شِئتَ فَإِنّي مُجيبُكَ عَلَيهِ .
فَأَنشَأَ يَقولُ :
هَفا قَلبي إلَى اللَّهوِوقَد وَدَّعَ شَرخَيهِ ۱
وقَد كانَ أنيقا عَصرَ تَجراريَ ذَيلَيهِ
عُلالاتٌ ولَذّاتٌفَيا سُقيا لِعَصرَيهِ
فَلَمّا عَمَّمَ الشَّيبُمِنَ الرَّأسِ نِطاقَيهِ
وأمسى قَد عَناني مِنهُ تَجديدُ خِضابَيهِ
تَسَلَّيتُ عَنِ اللَّهوِوألقَيتُ قِناعَيهِ
وفِي الدَّهرِ أعاجيبٌلِمَن يَلبَسُ حالَيهِ
فَلَو يُعمِلُ ذو رَأيٍأصيلٍ فيهِ رَأيَيهِ
لَأَلفى عِبرَةً مِنهُلَهُ في كُلِّ عَصرَيهِ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام ۲ : يا أعرابِيُّ! قَد قُلتَ فَاسمَع مِنّي : ۳
فَما رَسمٌ شَجاني أنمَحا آيَةَ رَسمَيهِ
سَفورٌ دَرَحَ ۴ الذَّيلَينِ في بَوغاءِ ۵ قاعَيهِ
وَمودٌ ۶ حَرجَفٌ تَترىعَلى تَلبيدِ ثَوبَيهِ
ودَلّاحٌ ۷ مِنَ المُزنِدَنا نَوءُ سِماكَيهِ ۸
أتى مُثعَنجِرَ ۹ الوَدقِ ۱۰يَجودُ مِن خِلالَيهِ
وقَد أحمَدَ بَرقاهُفَلا ذَمَّ لِبَرقَيهِ
وقَد جَلَّلَ رَعداهُفَلا ذَمَّ لِرَعدَيهِ
ثَجيجُ ۱۱ الرَّعدِ ثَجّاجٌإذا أرخى نِطاقَيهِ
فَأَضحى دارِسا قَفرالِبَينونَةِ أهلَيهِ .
فَقالَ الأَعرابِيُّ لَمّا سَمِعَها : ما رَأَيتُ كَاليَومِ قَطُّ مِثلَ هذَا الغُلامِ أعرَبَ مِنهُ كَلاما ، وأذرَبَ لِسانا ، وأفصَحَ مِنهُ مَنطِقا !
فَقالَ لَهُ الحَسَنُ عليه السلام : يا أعرابِيُّ :
هذا غُلامٌ كَرَّمَ الرَّحمنُ بِالتَّطهيرِ جَدَّيهِ
كَساهُ القَمَرُ القَمقامُ مِن نورِ سَناءَيهِ
ولَو عَدَّدَ طَمّاحٌنَفَحنا عَن عِدادَيهِ
وقَد أرضَيتُ ۱۲ مِن شِعريوقَوَّمتُ عَروضَيهِ .
فَلَمّا سَمِعَ الأَعرابِيُّ قَولَ الحَسَنِ عليه السلام قالَ : بارَكَ اللّهُ عَلَيكُما ! مِثلُكُما بَخِلَتهُ الرِّجالُ ، وعَن مِثلِكُما قامَتِ النِّساءُ ، فَوَاللّهِ لَقَدِ انصَرَفتُ وأنَا مُحِبٌّ لَكُما ، راضٍ عَنكُما ، فَجَزاكُمَا اللّهُ خَيرا . وَانصَرَفَ . ۱۳
1.شَرْخ الشَّبابِ : أوّله ، وقيل : نضارته وقوّته (النهاية : ج ۲ ص ۴۵۷ «شرخ») .
2.في المصدر : «الحسن عليه السلام » ، والصحيح ما أثبتناه .
3.الأبيات الآتية الّتي أنشدها الإمام عليه السلام لم تُذكر هنا في المصدر ، حيث قال المؤلّف : «ثمّ إنّه عليه السلام قال أبياتا سيأتي ذكرها في الباب المختصّ به المعقود لمناقبه إن شاء اللّه » ، ثمّ ذكرها في الصفحة ۷۳ . وقد أوردناها هنا كي يتمّ الكلام ويكتمل السياق .
4.دَرَحَ : دفع (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۲۲۰ «درح») . وفي الصراط المستقيم : «سفود درج . . .» .
5.البَوْغاءُ : التراب الناعم (النهاية : ج ۱ ص ۱۶۲ «بوغ») .
6.في ديوان الإمام الحسين عليه السلام : «هتوفٌ» .
7.سَحَابَةٌ دَلُوح : أي كثيرة الماء (الصحاح : ج ۱ ص ۳۶۱ «دلح») .
8.السِّماك : نجم في السماء معروف ، وهما سماكان : رامح وأعزل ورامح لا نوء له (النهاية : ج ۲ ص ۴۰۳ «سمك») .
9.ثَعجرتُ الدمَ : أي صببته فانصبّ (الصحاح : ج ۲ ص ۶۰۵ «ثعجر») .
10.الوَدْقُ : المطر (النهاية : ج ۵ ص ۱۶۸ «ودق») .
11.مطر ثجّاج : إذا انصبّ جدّا (الصحاح : ج ۱ ص ۳۰۲ «ثجج») .
12.كذا في المصدر ، وفي ديوان الإمام الحسين عليه السلام : «أرصَنتُ» بدل «أرضَيت» ، والظاهر أنّه الصواب .
13.مطالب السؤول : ص ۶۹ ؛ الصراط المستقيم : ج ۲ ص ۱۷۲ نحوه .