تَبارَكتَ وتَعالَيتَ يا عَظيمُ ، تَرى عَظيمَ الجُرمِ مِن عِبادِكَ فَلا تَعجَلُ عَلَيهِم ، تَعالَيتَ يا كَريمُ أنتَ شاهِدٌ غَيرُ غائِبٍ ، وعالِمٌ بِما اُتِيَ إلى أهلِ صَفوَتِكَ وأحِبّائِكَ مِنَ الأَمرِ الَّذي لا تَحمِلُهُ سَماءٌ ولا أرضٌ ، ولَو شِئتَ لَانتَقَمتَ مِنهُم ، ولكِنَّكَ ذو أناةٍ ، وقد أمهَلتَ الَّذينَ اجتَرَؤوا عَلَيكَ وعَلى رَسولِكَ وحَبيبِكَ ، فَأَسكَنتَهُم أرضَكَ ، وغَذَوتَهُم بِنِعمَتِكَ ، إلى أجَلٍ هُم بِالِغوهُ ، ووَقتٍ هُم صائِرونَ إلَيهِ ، لِيَستَكمِلُوا العَمَلَ الَّذي قَدَّرتَ ، وَالأَجَلَ الَّذي أجَّلتَ ، لِتُخَلِّدَهُم في مَحَطٍّ ووَثاقٍ ، ونارٍ وحَميمٍ وغَسّاقٍ ۱ ، وَالضَّريعِ ۲ وَالإِحراقِ ، وَالأَغلالِ وَالأَوثاقِ ، وغِسلينٍ ۳ وزَقّومٍ وصَديدٍ ، مَعَ طولِ المُقامِ في أيّامٍ لَظى وفي سَقَرَ ، الَّتي لا تُبقي ولا تَذَرُ ، وفِي الحَميمِ وَالجَحيمِ .
ثُمَّ تَنكَبُّ عَلَى القَبرِ ، وتَقولُ :
يا سَيِّدي ، أتَيتُكَ زائِرا موقِرا ۴ مِنَ الذُّنوبِ ، أتَقَرَّبُ إلى رَبّي بِوُفودي إلَيكَ ، وبُكائي عَلَيكَ ، وعَويلي وحَسْرَتي ، وأسَفي وبُكائي ، وما أخافُ عَلى نَفسي ، رَجاءَ أن تَكونَ لي حِجابا وسَنَدا ، وكَهفا وحِرزا ، وشافِعا ووِقايَةً مِنَ النّارِ غَدا ، وأنَا مِن مَواليكُمُ الَّذينَ اُعادي عَدُوَّكُم واُوالي وَلِيَّكُم ، عَلى ذلِكَ أحيا وعَلَيهِ أموتُ ، وعَلَيهِ اُبعَثُ إن شاءَ اللّهُ .
وقَد أشخَصتُ بَدَني ، ووَدَّعتُ أهلي ، وبَعُدَت شُقَّتي ، واُؤَمِّلُ في قُربِكُمُ النَّجاةَ ، وأرجو في أيّامِكُمُ الكَرَّةَ ، وأطمَعُ فِي النَّظَرِ إلَيكُم وإلى مَكانِكُم غَدا في جِنانِ رَبّي مَعَ آبائِكُمُ الماضينَ .
1.الغَسّاقُ : ما يقطر من جلود أهل النار (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۶۰۶ «غسق») .
2.الضَّريْعُ : نبات أحمر منتن الريح (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۵۰۶ «ضرع») .
3.الغِسْلين : غسالة أبدان الكفّار في النار (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۶۰۷ «غسل») .
4.الوِقر: الحِمل. وأوقَرَ راحلَتَه: أي حَمّلَها (النهاية: ج ۵ ص ۲۱۳ «وقر») .