393
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّامن

الاِستِبصارِ ، حَتّى أرجِعَ إلَيكَ مِنها كَما دَخَلتُ إلَيكَ مِنها ؛ مَصونَ السِّرِّ عَنِ النَّظَرِ إلَيها ، ومَرفوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعتِمادِ عَلَيها ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ . . . .
إلهي ! اُطلُبني بِرَحمَتِكَ حَتّى أصِلَ إلَيكَ ، وَاجذِبني بِمَنِّكَ حَتّى اُقبِلَ عَلَيكَ . . .
إلهي ! عَلِمتُ بِاختِلافِ الآثارِ ، وتَنَقُّلاتِ الأَطوارِ ، أنَّ مُرادَكَ مِنّي أن تَتَعَرَّفَ إلَيَّ في كُلِّ شَيءٍ حَتّى لا أجهَلَكَ في شَيءٍ . . . .
أنتَ الَّذي أشرَقتَ الأَنوارَ في قُلوبِ أولِيائِكَ حَتّى عَرَفوكَ ووَحَّدوكَ ، وأنتَ الَّذي أزَلتَ الأَغيارَ عَن قُلوبِ أحِبّائِكَ حَتّى لَم يُحِبّوا سِواكَ ولَم يَلجَؤوا إلى غَيرِكَ ، أنتَ المُونِسُ لَهُم حَيثُ أوحَشَتهُمُ العَوالِمُ ، وأنتَ الَّذي هَدَيتَهُم حَيثُ استَبانَت لَهُمُ المَعالِمُ .
ماذا وَجَدَ مَن فَقَدَكَ ؟ ومَا الَّذي فَقَدَ مَن وَجَدَكَ ؟ لَقَد خابَ مَن رَضِيَ دونَكَ بَدَلاً ، ولَقَد خَسِرَ مَن بَغى عَنكَ مُتَحَوِّلاً .
كَيفَ يُرجى سِواكَ وأنتَ ما قَطَعتَ الإِحسانَ ؟ وكَيفَ يُطلَبُ مِن غَيرِكَ وأنتَ ما بَدَّلتَ عادَةَ الاِمتِنانِ ؟ . . .
أنتَ الَّذي لا إلهَ غَيرُكَ ، تَعَرَّفتَ لِكُلِّ شَيءٍ فَما جَهِلَكَ شَيءٌ ، وأنتَ الَّذي تَعَرَّفتَ إلَيَّ في كُلِّ شَيءٍ فَرَأَيتُكَ ظاهِرا في كُلِّ شَيءٍ ، وأنتَ الظّاهِرُ لِكُلِّ شَيءٍ . يا مَنِ استَوى بِرَحمانِيَّتِهِ فَصارَ العَرشُ غَيبا في ذاتِهِ ، مَحَقتَ الآثارَ بِالآثارِ ، ومَحَوتَ الأَغيارَ بِمُحيطاتِ أفلاكِ الأَنوارِ .
يا مَن احتَجَبَ في سُرادِقاتِ ۱ عَرشِهِ عَن أن تُدرِكَهُ الأَبصارُ ، يا مَن تَجَلّى بِكَمالِ بَهائِهِ فَتَحَقَّقَت عَظَمَتُهُ مِنَ الاِستِواءِ ، كَيفَ تَخفى وأنتَ الظّاهِرُ ؟ أم كَيفَ تَغيبُ

1.السُّرادق : وهو كلّ ما أحاط بشيء من حائط أو مضرب أو خباء (النهاية : ج ۲ ص ۳۵۹ «سردق») .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّامن
392

فَقالَ : وكَيفَ أعبُدُ مَن لَم أرَهُ ! لَم يَرَهُ العُيونُ بِمُشاهَدَةِ العِيانِ ، ولكِن رَأَتهُ القُلوبُ بِحَقائِقِ الإِيمانِ ، وإذا كانَ المُؤمِنُ يَرى رَبَّهُ بِمُشاهَدَةِ البَصَرِ ، فَإِنَّ كُلَّ مَن جازَ عَلَيهِ البَصَرُ ۱ وَالرُّؤيَةُ فَهُوَ مَخلوقٌ ، ولابُدَّ لِلمَخلوقِ مِنَ الخالِقِ ، فَقَد جَعَلتَهُ إذا مُحدَثا مَخلوقا ، ومَن شَبَّهَهُ بِخَلقِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ مَعَ اللّهِ شَريكا .
وَيلَهُم ! أوَلَم يَسمَعوا يَقولُ اللّهُ تَعالى : «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَـرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَـرَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » ۲ ، وقَولَهُ : «لَن تَرَانِى وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا» ۳ ؟ وَإنَّما طَلَعَ مِن نورِهِ عَلَى الجَبَلِ كَضَوءٍ يَخرُجُ مِن سَمِّ الخِياطِ ، فَدَكدَكَتِ الأَرضُ وصَعِقَتِ الجِبالُ ، «وَ خَرَّ مُوسَى صَعِقًا» أي مَيِّتا «فَلَمّا أفاقَ» ورُدَّ عَلَيهِ روحُهُ «قالَ : سُبْحَـنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ» مِن قَولِ مَن زَعَمَ أنَّكَ تُرى ، ورَجَعتُ إلى مَعرِفَتي بِكَ أنَّ الأَبصارَ لا تُدرِكُكَ «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» وأوَّلُ المُقِرّينَ بِأَنَّكَ تَرى ولا تُرى ، وأنتَ بِالمَنظَرِ الأَعلى . ۴

۳۷۱۶.الإقبال عن الإمام الحسين عليه السلامـ فيما نُسِبَ إلَيهِ مِن دُعاءِ عَرَفَةَـ : إلهي ! تَرَدُّدي فِي الآثارِ يوجِبُ بُعدَ المَزارِ ، فَاجمَعني عَلَيكَ بِخِدمَةٍ توصِلُني إلَيكَ .
كَيفَ يُستَدَلُّ عَلَيكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفتَقِرٌ إلَيكَ ! أيَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتّى يَكونَ هُوَ المُظهِرَ لَكَ ! مَتى غِبتَ حَتّى تَحتاجَ إلى دَليلٍ يَدُلُّ عَلَيكَ ! ومَتى بَعِدتَ حَتّى تَكونَ الآثارُ هِيَ الَّتي توصِلُ إلَيكَ ! عَمِيَت عَينٌ لا تَراكَ عَلَيها رَقيبا ، وخَسِرَت صَفقَةُ عَبدٍ لَم تَجعَل لَهُ مِن حُبِّكَ نَصيبا .
إلهي ! أمَرتَ بِالرُّجوعِ إلَى الآثارِ فَارجِعني إلَيكَ بِكِسوَةِ الأَنوارِ وهِدايَةِ

1.في المصدر : «فإن كان من حاز عليه البصر» ، والتصويب من بحار الأنوار .

2.الأنعام : ۱۰۳ .

3.الأعراف : ۱۴۳ .

4.كفاية الأثر : ص ۲۵۷ عن هشام عن الإمام الصادق عن آبائه عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج ۴ ص ۵۴ ح ۳۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّامن
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4073
صفحه از 438
پرینت  ارسال به