فَقالَ : وكَيفَ أعبُدُ مَن لَم أرَهُ ! لَم يَرَهُ العُيونُ بِمُشاهَدَةِ العِيانِ ، ولكِن رَأَتهُ القُلوبُ بِحَقائِقِ الإِيمانِ ، وإذا كانَ المُؤمِنُ يَرى رَبَّهُ بِمُشاهَدَةِ البَصَرِ ، فَإِنَّ كُلَّ مَن جازَ عَلَيهِ البَصَرُ ۱ وَالرُّؤيَةُ فَهُوَ مَخلوقٌ ، ولابُدَّ لِلمَخلوقِ مِنَ الخالِقِ ، فَقَد جَعَلتَهُ إذا مُحدَثا مَخلوقا ، ومَن شَبَّهَهُ بِخَلقِهِ فَقَدِ اتَّخَذَ مَعَ اللّهِ شَريكا .
وَيلَهُم ! أوَلَم يَسمَعوا يَقولُ اللّهُ تَعالى : «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَـرُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَـرَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » ۲ ، وقَولَهُ : «لَن تَرَانِى وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا» ۳ ؟ وَإنَّما طَلَعَ مِن نورِهِ عَلَى الجَبَلِ كَضَوءٍ يَخرُجُ مِن سَمِّ الخِياطِ ، فَدَكدَكَتِ الأَرضُ وصَعِقَتِ الجِبالُ ، «وَ خَرَّ مُوسَى صَعِقًا» أي مَيِّتا «فَلَمّا أفاقَ» ورُدَّ عَلَيهِ روحُهُ «قالَ : سُبْحَـنَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ» مِن قَولِ مَن زَعَمَ أنَّكَ تُرى ، ورَجَعتُ إلى مَعرِفَتي بِكَ أنَّ الأَبصارَ لا تُدرِكُكَ «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» وأوَّلُ المُقِرّينَ بِأَنَّكَ تَرى ولا تُرى ، وأنتَ بِالمَنظَرِ الأَعلى . ۴
۳۷۱۶.الإقبال عن الإمام الحسين عليه السلامـ فيما نُسِبَ إلَيهِ مِن دُعاءِ عَرَفَةَـ : إلهي ! تَرَدُّدي فِي الآثارِ يوجِبُ بُعدَ المَزارِ ، فَاجمَعني عَلَيكَ بِخِدمَةٍ توصِلُني إلَيكَ .
كَيفَ يُستَدَلُّ عَلَيكَ بِما هُوَ في وُجودِهِ مُفتَقِرٌ إلَيكَ ! أيَكونُ لِغَيرِكَ مِنَ الظُّهورِ ما لَيسَ لَكَ حَتّى يَكونَ هُوَ المُظهِرَ لَكَ ! مَتى غِبتَ حَتّى تَحتاجَ إلى دَليلٍ يَدُلُّ عَلَيكَ ! ومَتى بَعِدتَ حَتّى تَكونَ الآثارُ هِيَ الَّتي توصِلُ إلَيكَ ! عَمِيَت عَينٌ لا تَراكَ عَلَيها رَقيبا ، وخَسِرَت صَفقَةُ عَبدٍ لَم تَجعَل لَهُ مِن حُبِّكَ نَصيبا .
إلهي ! أمَرتَ بِالرُّجوعِ إلَى الآثارِ فَارجِعني إلَيكَ بِكِسوَةِ الأَنوارِ وهِدايَةِ