الشَّرابَ فَشَرِبتُهُ فَما وَجَدتُ مِثلَ ريحِهِ ، ولا أطيَبَ مِن ذَوقِهِ ولا طَعمِهِ ولا أبرَدَ مِنهُ ، فَلَمّا شَرِبتُهُ قالَ لِيَ الغُلامُ : إنَّهُ أمَرَني أن أقولَ لَكَ إذا شَرِبتَهُ فَأَقبِل إلَيَّ ، وقَد عَلِمتُ شِدَّةَ ما بي ، فَقُلتُ لَأَذهَبَنَّ إلَيهِ ولَو ذَهَبَت نَفسي ، فَأَقبَلتُ إلَيكَ فَكَأَنّي نُشِطتُ مِن عِقالٍ ! فَالحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَكُم رَحمَةً لِشيعَتِكُم .
فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ الشَّرابَ الَّذي شَرِبتَهُ فيهِ مِن طينِ قَبرِ الحُسَينِ عليه السلام ، وهُوَ أفضَلُ ما أستَشفي بِهِ ، فَلا تَعدِل بِهِ ، فَإِنّا نَسقيهِ صِبيانَنا ونِساءَنا فَنَرى فيهِ كُلَّ خَيرٍ .
فَقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ! إنّا لَنَأخُذُ مِنهُ ونَستَشفي بِهِ .
فَقالَ : يَأخُذُهُ الرَّجُلُ فَيُخرِجُهُ مِنَ الحائِرِ وقَد أظهَرَهُ ، فَلا يَمُرُّ بِأَحَدٍ مِنَ الجِنِّ بِهِ عاهَةٌ ولا دابَّةٍ ولا شَيءٍ بِهِ آفَةٌ إلّا شَمَّهُ ، فَتَذهَبُ بَرَكَتُهُ فَيَصيرُ بَرَكَتُهُ لِغَيرِهِ ، وهذَا الَّذي نَتَعالَجُ بِهِ لَيسَ هكَذا ، ولَولا ما ذَكَرتُ لَكَ ما تَمَسَّحَ بِهِ شَيءٌ ولا شَرِبَ مِنهُ شَيءٌ إلّا أفاقَ مِن ساعَتِهِ ، وما هُوَ إلّا كَالحَجَرِ الأَسوَدِ أتاهُ أصحابُ العاهاتِ وَالكُفرِ وَالجاهِلِيَّةِ وكانَ لا يَتَمَسَّحُ بِهِ أحَدٌ إلّا أفاقَ ، وكانَ كَأَبيَضِ ياقوتَةٍ ، فَاسوَدَّ حَتّى صارَ إلى ما رَأَيتَ .
فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ! وكَيفَ أصنَعُ بِهِ؟
فَقالَ : أنتَ تَصنَعُ بِهِ مَعَ إظهارِكَ إيّاهُ ما يَصنَعُ غَيرُكَ ، تَستَخِفُّ بِهِ فَتَطرَحُهُ في خُرجِكَ وفي أشياءَ دَنِسَةٍ فَيَذهَبُ ما فيهِ مِمّا تُريدُهُ لَهُ .
فَقُلتُ : صَدَقتَ جُعِلتُ فِداكَ !
قالَ : لَيسَ يَأخُذُهُ أحَدٌ إلّا وهُوَ جاهِلٌ بِأَخذِهِ ، ولا يَكادُ يَسلَمُ بِالنّاسِ .
فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، وكَيفَ لي أن آخُذَهُ كَما تَأخُذُهُ ؟
فَقالَ لي : اُعطيكَ مِنهُ شَيئا ؟ فَقُلتُ : نَعَم .
قالَ : إذا أخَذتَهُ فَكَيفَ تَصنَعُ بِهِ ؟ فَقُلتُ : أذهَبُ بِهِ مَعي .