335
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّامن

الشَّرابَ فَشَرِبتُهُ فَما وَجَدتُ مِثلَ ريحِهِ ، ولا أطيَبَ مِن ذَوقِهِ ولا طَعمِهِ ولا أبرَدَ مِنهُ ، فَلَمّا شَرِبتُهُ قالَ لِيَ الغُلامُ : إنَّهُ أمَرَني أن أقولَ لَكَ إذا شَرِبتَهُ فَأَقبِل إلَيَّ ، وقَد عَلِمتُ شِدَّةَ ما بي ، فَقُلتُ لَأَذهَبَنَّ إلَيهِ ولَو ذَهَبَت نَفسي ، فَأَقبَلتُ إلَيكَ فَكَأَنّي نُشِطتُ مِن عِقالٍ ! فَالحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَكُم رَحمَةً لِشيعَتِكُم .
فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ الشَّرابَ الَّذي شَرِبتَهُ فيهِ مِن طينِ قَبرِ الحُسَينِ عليه السلام ، وهُوَ أفضَلُ ما أستَشفي بِهِ ، فَلا تَعدِل بِهِ ، فَإِنّا نَسقيهِ صِبيانَنا ونِساءَنا فَنَرى فيهِ كُلَّ خَيرٍ .
فَقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ! إنّا لَنَأخُذُ مِنهُ ونَستَشفي بِهِ .
فَقالَ : يَأخُذُهُ الرَّجُلُ فَيُخرِجُهُ مِنَ الحائِرِ وقَد أظهَرَهُ ، فَلا يَمُرُّ بِأَحَدٍ مِنَ الجِنِّ بِهِ عاهَةٌ ولا دابَّةٍ ولا شَيءٍ بِهِ آفَةٌ إلّا شَمَّهُ ، فَتَذهَبُ بَرَكَتُهُ فَيَصيرُ بَرَكَتُهُ لِغَيرِهِ ، وهذَا الَّذي نَتَعالَجُ بِهِ لَيسَ هكَذا ، ولَولا ما ذَكَرتُ لَكَ ما تَمَسَّحَ بِهِ شَيءٌ ولا شَرِبَ مِنهُ شَيءٌ إلّا أفاقَ مِن ساعَتِهِ ، وما هُوَ إلّا كَالحَجَرِ الأَسوَدِ أتاهُ أصحابُ العاهاتِ وَالكُفرِ وَالجاهِلِيَّةِ وكانَ لا يَتَمَسَّحُ بِهِ أحَدٌ إلّا أفاقَ ، وكانَ كَأَبيَضِ ياقوتَةٍ ، فَاسوَدَّ حَتّى صارَ إلى ما رَأَيتَ .
فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ! وكَيفَ أصنَعُ بِهِ؟
فَقالَ : أنتَ تَصنَعُ بِهِ مَعَ إظهارِكَ إيّاهُ ما يَصنَعُ غَيرُكَ ، تَستَخِفُّ بِهِ فَتَطرَحُهُ في خُرجِكَ وفي أشياءَ دَنِسَةٍ فَيَذهَبُ ما فيهِ مِمّا تُريدُهُ لَهُ .
فَقُلتُ : صَدَقتَ جُعِلتُ فِداكَ !
قالَ : لَيسَ يَأخُذُهُ أحَدٌ إلّا وهُوَ جاهِلٌ بِأَخذِهِ ، ولا يَكادُ يَسلَمُ بِالنّاسِ .
فَقُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ، وكَيفَ لي أن آخُذَهُ كَما تَأخُذُهُ ؟
فَقالَ لي : اُعطيكَ مِنهُ شَيئا ؟ فَقُلتُ : نَعَم .
قالَ : إذا أخَذتَهُ فَكَيفَ تَصنَعُ بِهِ ؟ فَقُلتُ : أذهَبُ بِهِ مَعي .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّامن
334

لي ، وما أقدِرُ عَلَى النُّهوضِ قَبلَ ذلِكَ عَلى رِجلي فَلَمَّا استَقَرَّ الشَّرابُ في جَوفي فَكَأَنَّما نُشِطتُ مِن عِقالٍ ۱ ، فَأَتَيتُ بابَهُ فَاستَأذَنتُ عَلَيهِ ، فَصَوَّتَ بي : صَحَّ الجِسمُ ، ادخُل ، فَدَخَلتُ عَلَيهِ وأنَا باكٍ ، فَسَلَّمتُ عَلَيهِ وقَبَّلتُ يَدَهُ ورَأسَهُ .
فَقالَ لي : وما يُبكيكَ يا مُحَمَّدُ ؟
قُلتُ : جُعِلتُ فِداكَ ! أبكي عَلَى اغتِرابي ، وبُعدِ الشُّقَّةِ ، وقِلَّةِ القُدرَةِ عَلَى المُقامِ عِندَكَ أنظُرُ إلَيكَ .
فَقالَ لي : أمّا قِلَّةُ القُدرَةِ فَكَذلِكَ جَعَلَ اللّهُ أولِياءَنا وأهلَ مَوَدَّتِنا وجَعَلَ البَلاءَ إلَيهِم سَريعا ، وأمّا ما ذَكَرتَ مِنَ الغُربَةِ فَإِنَّ المُؤمِنَ في هذِهِ الدُّنيا غَريبٌ ، وفي هذَا الخَلقِ المَنكوسِ حَتّى يَخرُجَ مِن هذِهِ الدّارِ إلى رَحمَةِ اللّهِ ، وأمّا ما ذَكَرتَ مِن بُعدِ الشُّقَّةِ فَلَكَ بِأَبي عَبدِ اللّهِ عليه السلام اُسوَةٌ بِأَرضٍ نائِيَةٍ عَنّا بِالفُراتِ ، وأمّا ما ذَكَرتَ مِن حُبِّكَ قُربَنا وَالنَّظَرَ إلَينا ، وأنَّكَ لا تَقدِرُ عَلى ذلِكَ ، فَاللّهُ يَعلَمُ ما في قَلبِكَ وجَزاؤُكَ عَلَيهِ .
ثُمَّ قالَ لي : هَل تَأتي قَبرَ الحُسَينِ عليه السلام ؟ قُلتُ : نَعَم عَلى خَوفٍ ووَجَلٍ .
فَقالَ : ما كانَ في هذا أشَدَّ فَالثَّوابُ فيهِ عَلى قَدرِ الخَوفِ ، ومَن خافَ في إتيانِهِ آمَنَ اللّهُ رَوعَتَهُ يَومَ يَقومُ النّاسُ لِرَبِّ العالَمينَ ، وَانصَرَفَ بِالمَغفِرَةِ ، وسَلَّمَت عَلَيهِ المَلائِكَةُ ، وزارَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله وما يَصنَعُ ۲ ودَعا لَهُ ، وَانقَلَبَ بِنِعمَةٍ مِنَ اللّهِ وفَضلٍ لَم يَمسَسهُ سوءٌ ، وَاتَّبَعَ رِضوانَ اللّهِ .
ثُمَّ قالَ لي : كَيفَ وَجَدتَ الشَّرابَ؟
فَقُلتُ : أشهَدُ أنَّكُم أهلُ بَيتِ الرَّحمَةِ ، وأنَّكَ وَصِيُّ الأَوصِياءِ ، ولَقَد أتانِي الغُلامُ بِما بَعَثتَهُ وما أقدِرُ عَلى أن أستَقِلَّ عَلى قَدَمَيَّ ، ولَقَد كُنتُ آيِسا مِن نَفسي ، فَناوَلَنِي

1.فكأنّما اُنشِطَ من عقال : أي حُلّ (النهاية : ج ۵ ص ۵۷ «نَشَط») .

2.«وما يصنع» كذا في المصدر وبحار الأنوار ، ولعلّها من زيادة النسّاخ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّامن
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5034
صفحه از 438
پرینت  ارسال به