بِحَقِّ نَبِيِّكَ ودينِكَ ، مَن هذَا الَّذي يَزورُ قَبرَهُ قَومٌ مِنكُم بِناحِيَةِ قَصرِ ابنِ هُبَيرَةَ؟ مَن هُوَ؟ مِن أصحابِ نَبِيِّكُم ؟
قُلتُ : لَيسَ هُوَ مِن أصحابِهِ ، هُوَ ابنُ بِنتِهِ ، فَما دَعاكَ إلَى المَسأَلَةِ عَنهُ ؟ فَقالَ : لَهُ عِندي حَديثٌ طَريفٌ .
فَقُلتُ : حَدِّثني بِهِ ! فَقالَ : وَجَّهَ إلَيَّ سابورُ الكَبيرُ الخادِمُ الرَّشيدِيُّ فِي اللَّيلِ ، فَصِرتُ إلَيهِ ، فَقالَ لي : تَعالَ مَعي ، فَمَضى وأنَا مَعَهُ حَتّى دَخَلنا عَلى موسَى بنِ عيسَى الهاشِمِيِّ ، فَوَجَدناهُ زائِلَ العَقلِ مُتَّكِئا عَلى وِسادَةٍ ، وإذا بَينَ يَدَيهِ طَستٌ فيها حَشُو جَوفِهِ ، وكانَ الرَّشيدُ استَحضَرَهُ مِنَ الكوفَةِ ، فَأَقبَلَ سابورُ عَلى خادِمٍ كانَ مِن خاصَّةِ موسى ، فَقالَ لَهُ: وَيحَكَ ما خَبَرُهُ ؟
فَقالَ لَهُ : اُخبِرُكَ أنَّهُ كانَ مِن ساعَةٍ جالِسا وحَولَهُ نُدَماؤُهُ ، وهُوَ مِن أصَحِّ النّاسِ جِسما وأطيَبِهِم نَفسا ، إذ جَرى ذِكرُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام ، قالَ يوحَنّا : هذَا الَّذي سَأَلتُكَ عَنهُ . فَقالَ موسى : إنَّ الرّافِضَةَ لَتَغلو فيهِ حَتّى إنَّهُم فيما عَرَفتُ يَجعَلونَ تُربَتَهُ دَواءً يَتَداوَونَ بِهِ .
فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِن بَني هاشِمٍ كانَ حاضِرا قَد كانَت بي عِلَّةٌ غَليظَةٌ فَتَعالَجتُ لَها بِكُلِّ عِلاجٍ ، فَما نَفَعَني ، حَتّى وَصَفَ لي كاتِبي أن آخُذَ مِن هذِهِ التُّربَةِ ، فَأَخَذتُها فَنَفَعَنِيَ اللّهُ بِها ، وزالَ عَنّي ما كُنتُ أجِدُهُ . قالَ : فَبَقِيَ عِندَكَ مِنها شَيءٌ ؟ قالَ : نَعَم . فَوَجَّهَ فَجاؤوهُ مِنها بِقِطعَةٍ ، فَناوَلَها موسَى بنَ عيسى ، فَأَخَذَها موسى فَاستَدخَلَها دُبُرَهُ استِهزاءً بِمَن تَداوى بِها ، وَاحتِقارا وتَصغيرا لِهذَا الرَّجُلِ الَّذي هذِهِ تُربَتُهُ ـ يَعنِي الحُسَينَ عليه السلام ـ فَما هُوَ إلّا أنِ استَدخَلَها دُبُرَهُ حَتّى صاحَ : النّارَ النّارَ ! الطَّستَ الطَّستَ ! فَجِئناهُ بِالطَّستِ فَأَخرَجَ فيها ما تَرى ، فَانصَرَفَ النُّدَماءُ وصارَ المَجلِسُ مَأتَما .