291
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّامن

وعلى أيّ حال ، فكلّ ما وقع وفي عهد أيّ خليفة وقع ، فإنّه يمكن القطع بوجود بناءٍ على قبر الإمام الحسين عليه السلام في المرّة الثانية ، ولكنّنا لا نعلم شيئاً عن كيفيّته أو بانيه ، ومن المفترض أن يكون شيعة سواد العراق هم الذين أقاموه ، وهو نفس البناء الذي كان الناس يتوجّهون لزيارته حتّى عهد المتوكّل .

مزار الإمام عليه السلام في القرن الثالث الهجري

حدث أكبر انتهاكٍ لحُرمة قبر الإمام الحسين عليه السلام في عهد المتوكّل العباسي ۱ ، الذي سيطر على الاُمور من عام (۲۳۲ هـ . ق) وحتّى (۲۴۷ هـ . ق) حيث وقع تحت تأثير أهل الحديث المتعصّبين في بغداد. وقد اعتبرته المصادر عدوّ أهل البيت عليهم السلام ، وفي بعضها أنّه كان شديد البغض لعليّ بن أبي طالب ولأهل بيته ۲ . فكتب أبو الفرج الأصفهاني في وصفه قائلاً :
كان المتوكّل شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظاً على جماعتهم ، مهتمّاً

1.ورد في الأمالي للشيخ الطوسي نقلاً عن إبراهيم الديزج أنّه قال: بعثني المتوكّل إلى كربلاء لتغيير قبرالحسين عليه السلام ، وكتب معي إلى جعفر بن محمّد بن عمّار القاضي : اُعلمك أنّي قد بعثت إبراهيم الدّيزج إلى كربلاء ؛ لنبش قبر الحسين ، فإذا قرأت كتابي فقف على الأمر حتّى تعرف فعل أو لم يفعل . قال الدّيزج : فعرّفني جعفر بن محمّد بن عمّار ما كتب به إليه ، ففعلت ما أمرني به جعفر بن محمّد بن عمّار ، ثمّ أتيته ، فقال لي : ما صنعت ؟ فقلت : قد فعلت ما أمرت به ، فلم أرَ شيئا ، ولم أجد شيئا . فقال لي : أفلا عمّقته ؟ قلت : قد فعلت وما رأيت ، فكتب إلى السّلطان : إنّ إبراهيم الدّيزج قد نبش فلم يجد شيئا ، وأمرته فمخره بالماء ، وكربه بالبقر . قال أبو عليّ العمّاري : فحدّثني إبراهيم الدّيزج ، وسألته عن صورة الأمر ، فقال لي : أتيت في خاصّة غلماني فقط ، وإنّي نبشت ، فوجدت باريةً جديدةً وعليها بدن الحسين بن عليّ عليه السلام ، ووجدت منه رائحة المسك ، فتركت البارية على حالتها وبدن الحسين عليه السلام على البارية ، وأمرت بطرح التراب عليه ، وأطلقت عليه الماء ، وأمرت بالبقر لتمخره وتحرثه ، فلم تطأه البقر ، وكانت إذا جاءت إلى الموضع رجعت عنه ، فحلفت لغلماني باللّه وبالأيمان المغلّظة لئن ذكر أحدٌ هذا لأقتلنّه» (الأمالي للطوسي : ص ۳۲۶ ح ۶۵۳ ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۳۹۴ ح ۲) .

2.الكامل في التاريخ : ج ۴ ص ۳۱۸ .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّامن
290

موضع مصرع الحسين» ؛ كي لا يحيط الناس علماً بموضعه «حتّى لا يقف الناس على قبره» . ۱
كما نقل هشام بن محمّد الكلبي خبراً عن فتح الماء على قبر الحسين عليه السلام ۲ ، وقد ذكر في هذا النقل أنّ رجلاً من بني أسد ـ وهي قبيلة معظمها من الشيعة ـ جاء مرّتين وحدّد موضع القبر . وبما أنّ وفاة هشام الكلبي هي في سنة (۲۰۵ أو ۲۰۶ ه . ق) ، فإنّ هذا الحدث لم يكن في عهد المتوكّل العبّاسي (۲۳۲ - ۲۴۷ ه . ق) ، بل كان قبل ذلك بلا ريب ؛ ذلك لأنّه وكما سيأتي أنّ التخريبات والاُمور التي تعرّض لها القبر (وقعة الهائلة) في عهد المتوكّل تعود إلى سنة (۲۳۶ - ۲۴۷ ه . ق) . وقد جاء في المصادر التي نُقل فيها الخبر المذكور ۳ ـ نقلاً عن ذلك الرجل الأسدي نفسه ـ أنّ الهدف كان إخفاء قبر الإمام الحسين عليه السلام عن محبّيه :

أرادوا لِيُخفوا قَبرَهُ عَن وَليّهِفَطيبُ تُرابِ القَبرِ دَلَّ عَلَى القَبرِ
وقد استنبط ابن كثير عند نقله لهذا الخبر ۴ استنباطا خاطئا ، وهو أنّ موضع قبر الإمام لم يكن معلوماً حتّى ذلك الوقت! في حين أنّ الأمر على العكس من ذلك تماما ، فالخبر المذكور يدلّ على أنّ جهاز الخلافة كان يتآمر من أجل إزالة آثار القبر .
وقد ذكر في مصدر آخر بعد نقل هذا الخبر ، أنّ فتح الماء على قبر الحسين عليه السلام كان في عصر الاُمويّين مرّة ، وفي عصر العباسييّن اُخرى . ۵

1.الأمالي للطوسي : ص ۳۲۵ الرقم ۶۵۱.

2.الأمالي للشجري : ص ۱۶۲.

3.الدّرّ النظيم : ص ۵۷۲ ؛ تاريخ دمشق : ج ۱۴ ص ۲۴۵، تهذيب الكمال : ج ۶ ص ۴۴۴ وفيهما «عدوه» بدل «وليه» وهو تصحيف .

4.البداية والنهاية : ج ۸ ص ۲۰۳ .

5.الحدائق الوردية : ج ۱ ص ۱۲۹.

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّامن
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3925
صفحه از 438
پرینت  ارسال به