279
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد السّادس

المعتقدات الشيعيّة في عصر الغيبة، حيث يقول حول يوم عاشوراء :
في اليوم العاشر منه ]شهر المحرّم [قُتل سيّدنا أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ عليه السلام من سنة إحدى وستّين من الهجرة، وهو يوم يتجدّد فيه أحزان محمّد وآل محمّد وشيعتهم. وجاءت الرواية عن الصادقين عليهم السلام باجتناب الملاذ فيه، وإقامة سنن المصائب، والإمساك عن الطعام والشراب إلى أن تزول الشمس، والتغذّي بعد ذلك بما يتغذّى به أصحاب أهل المصائب، كالألبان وما أشبهها دون الملذّ من الطعام والشراب . ۱

العزاء في مصر

مع استقرار الدولة الفاطميّة كانت طائفة من الشيعة تقيم العزاء كما مرّ في يوم عاشوراء عند قبري السيّدتين اُمّ كلثوم ونفيسة ، وقد واصلوا هذه المسيرة بعد فترة داخل مدينة القاهرة وعند مشهد الحسين عليه السلام ، واكتسب العزاء في ظلّ هذه الدولة الطابع الحكومي ، وكان يقام مقترناً ببعض التشريفات ، ۲ حيث ذُكرت كيفيّتها في المصادر

1.مجموعة نفيسة : ص ۶۰ (مسارّ الشيعة) .

2.قال ابن الطوير: إذا كان اليوم العاشر من المحرّم احتجب الخليفة عن الناس ، فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود قد غيّروا زيّهم فيكونون كما هو اليوم، ثمّ صاروا إلى المشهد الحسيني ، وكان قبل ذلك يُعمل في الجامع الأزهر، فإذا جلسوا فيه ومن معهم من قرّاء الحضرة والمتصدّرين في الجوامع، جاء الوزير فجلس صدراً والقاضي والداعي من جانبيه، والقرّاء يقرؤون نوبة بنوبة ، وينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة شعراً يرثون به أهل البيت ، فإن كان الوزير رافضياً تغلّوا، وإن كان سنّياً اقتصدوا ، ولا يزالون كذلك إلى أن تمضي ثلاث ساعات، فيستدعون إلى القصر بنقباء الرسائل، فيركب الوزير وهو بمنديل صغير إلى داره ، ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما باب الذهب، فيجدون الدهاليز قد فُرشت مصاطبها بالحصر بدل البسط ، ويُنصب في الأماكن الخالية من المصاطب دكك لتُلحق بالمصاطب لتُفرش ، ويجدون صاحب الباب جالساً هناك، فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم ، فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون أيضاً ، ثمّ يفرش عليها سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس والملوحات والمخلّلات والأجبان والألبان الساذجة والأعسال النحل والفطير والخبز المغيّر لونه بالقصد ، فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب وصاحب المائدة واُدخل الناس للأكل منه ، فيدخل القاضي والداعي، ويجلس صاحب الباب نيابةً عن الوزير والمذكوران إلى جانبه ، وفي الناس من لا يدخل ، ولا يُلزم أحد بذلك ، فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركباناً بذلك الزي الذي ظهروا فيه ، وطاف النوّاح بالقاهرة ذلك اليوم ، وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى جواز العصر، فيفتح الناس بعد ذلك ويتصرّفون (الخطط المقريزية: ج ۲ ص ۲۹۱) . و زاد ابن تغرى في النجوم الزاهرة : فكان ذلك دأب الخلفاء الفاطميين من أوّلهم المعزّ لدين اللّه معد، إلى آخرهم العاضد عبد اللّه (النجوم الزاهرة: ج ۳ ص ۱۵۳ في حوادث سنة ۴۸۸) .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
278

ومع ضعف الدولة البويهيّة ، ازدادت المعارضة وكثرت الصدامات، بحيث لم يكن بمقدور الدولة أحياناً أن تفعل شيئاً من أجل إحلال الهدوء. وفي العقد الأخير من دولة البويهيّين ـ والتي كانت تحكم في بغداد ـ كانت الدولة تطلب من الشيعة أحياناً ألّا يخرجوا للعزاء في يوم عاشوراء من أجل الحيلولة دون حدوث الاضطرابات وسفك الدماء، بل إنّهم كانوا أحياناً يعطّلون مراسم العزاء ۱ . وقد جاءت تفاصيل هذه النزاعات في المصادر التاريخيّة ومن جملتها المنتظم لابن الجوزي ، إلّا أنّ الشيعة واصلوا إقامة العزاء رغم كلّ المشاكل حتّى سقوط البويهيّين ومجيء الدولة السلجوقيّة عام ۴۴۷ه . ق ، وقد منع السلاجقة رفع أيّ شعار شيعي، بما في ذلك إقامة مراسم العزاء. ومع كلّ ذلك، فإنّ هناك رواية تدلّ على أنّ شيعة بغداد أقاموا شعائر العزاء في يوم عاشوراء من عام ۴۵۸ ه . ق . ۲
إنّ كلّ ذلك يدلّ على أنّ الشيعة كانوا يحافظون على مسيرة العزاء في عاشوراء ، وإحياء ذكرى حادثة كربلاء بفضل التعاليم القيّمة لأئمّتهم، باعتبار هذه الحادثة حركة فكريّة، ثوريّة ودينيّة، وكانوا يستغلّون كلّ فرصة من أجل إقامتها .
ومن المناسب الآن أن ندرج في نهاية هذا الفصل، الكلام القيّم لمعلّم الاُمّة الشيخ المفيد، العالم الشيعيّ الكبير في ذلك العصر ، الذي له فضل كبير على الشيعة في تدوين وترسيم

1.في المنتظم ـ في ذكر حوادث سنة ۳۹۳ هـ . ق ـ : إنّ عميد الجيوش منع أهل الكرخ وباب الطاق في يوم عاشوراء من النوح في المشاهد وتعليق المسوح في الأسواق فامتنعوا، ومنع أهل باب البصرة وباب الشعير من مثل ذلك فيما نسبوه إلى مقتل مصعب بن الزبير بن العوام (المنتظم : ج ۱۵ ص ۳۷) .

2.في المنتظم: ثمّ دخلت سنة ثمان وخمسين وأربعمئة؛ فمن الحوادث فيها: أنّ أهل الكرخ أغلقوا دكاكينهم يوم عاشوراء، وأحضروا نساء فنحن على الحسين عليه السلام على ما كانوا قديماً يستعملونه، واتّفق أنّه حُملت جنازة رجل من باب المحول إلى الكرخ ومعها الناحة، فصُلّي عليها وناح الرجال بحجّتها على الحسين، وأنكر الخليفة على الطاهر أبي الغنائم المعمر بن عبيد اللّه نقيب الطالبيين تمكينه من ذلك، فذكر أنّه لم يعلم به إلّا بعد فعله، وأنّه لمّا علم أنكره ومنعه (المنتظم : ج ۱۶ ص ۹۴، البداية والنهاية : ج ۱۲ ص ۹۳نحوه).

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5499
صفحه از 430
پرینت  ارسال به