وعبدالجبّار المعتزلي ۱ ـ أشاروا إلى ظاهرة إقامة مراسم العزاء في مدن العالم الإسلامي الكبرى في ظلّ الدول الشيعيّة في القرنين الرابع والخامس .
مراسم العزاء في بغداد
بعد مرسوم معزّ الدولة، تحوّل العزاء في بغداد إلى شعائر رسميّة كانت تقام سنويّاً في كلّ حارة وزقاق بحضور الشيعة . ۲ ولكنّ المجتمع السنّي الساكن في حاضرة الخلافة لم يكن يستسيغ هذه الظاهرة ، ولذلك كانت تقع بعض المصادمات أحياناً . ۳
1.قال القاضي عبدالجبار (م۴۱۵ هـ . ق) : وملوك الأرض منذ نحو مئة سنة من الديلم وبني حمدان ومَن بالبحرين وعمران في البطيحة ومَن باليمن والشام وآذربايجان، وكلّ هؤلاء الملوك أصحاب الإمامة ومشيعة وفي الأرض كلّها ، ودولة بني العبّاس لم يبق منها إلّا اسمها في بعض المواضع والموضع الذي فيه سلطانهم وملكهم وعزهم... .
وفي هذا الزمان منهم مثل أبي جبلة إبراهيم بن عنسان... وأبي عبداللّه محمّدبن النعمان، فهؤلاء بمصر وبالرملة وبصور وبعكّا وبعسقلان وبدمشق وببغداد وبجبل البسماق، وكلّ هؤلاء يدّعون التشيّع ومحبّة رسول اللّه وأهل بيته، فيبكون على فاطمة وعلى ابنها المحسن الذي زعموا أنّ عمر قتله... ويقيمون المنشدين والمناحات في ذلك (تثبيت دلائل النبوّة للقاضي عبدالجبّار الهمداني: ص ۴۴۳ ).
ومن خلال روايات العزاء في المناطق المذكورة على فاطمة سلام اللّه عليها يمكن أن نستنبط رواج العزاء بالأشكال المذكورة، أي النياحة وإنشاد المراثي والبكاء على حادثة عاشوراء الأليمة أيضاً من باب الأولويّة.
2.في المنتظم ـ في ذكر حوادث سنة ۳۶۱ ه . ق ـ : إنّه عمل ببغداد ما قد صار الرسم به جارياً في كلّ يوم عاشوراء، من غلق الأسواق وتعطيل البيع والشراء وتعليق المسوح (المنتظم : ج ۱۴ ص ۲۱۰) .
وفي البداية والنهاية: قد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود الأربعمئة وما حولها، فكانت الدبادب تُضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، ويُذرّ الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتُعلّق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ؛ موافقة للحسين لأنّه قُتل عطشاناً، ثمّ تخرج النساء حاسرات عن وجههنّ ينحن ويلطمن وجوههنّ وصدورهنّ، حافيات في الأسواق (البداية والنهاية : ج ۸ ص ۲۰۲) .
3.في الكامل في التاريخ والبداية والنهاية ـ في ذكر حوادث سنة خمسين وثلاثمئة ـ : في هذه السنة، عاشر المحرّم، اُغلقت الأسواق ببغداد يوم عاشوراء ، وفعل الناس ما تقدّم ذكره، فثارت فتنة عظيمة بين الشيعة والسنّة، جُرح فيها كثير ونُهبت الأموال (الكامل في التاريخ : ج ۵ ص ۳۳۶، البداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۲۸۶ نحوه) .