ملاحظة
ذكرنا فيما سبق أنّ من غير المستبعد أن تكون مراسم العزاء الاُولى وحتّى ثورة المختار وانتقامه من قتلة سيّد الشهداء ، كانت متأثّرة بالثقافة الاجتماعيّة العربيّة ، مع تشذيب وتهذيب تلك الثقافة والأدب. ونضيف هنا قائلين إنّ هذا الموقف لو كان متجانساً بنسبة ضئيلة مع تلك الثقافة، لكانت أبعاده مختلفة إلى حدّ كبير حتّى من الناحية الزمنيّة .
يقول الإمام الصادق عليه السلام :
مَا اختَضَبَت مِنّا امرَأَةٌ ولَا ادَّهَنَت ولَا اكتَحَلَت ولا رَجَّلَت حَتّى أتانا رَأسُ عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ ، وما زِلنا في عَبرَةٍ بَعدَهُ . ۱
ففي الثقافة العربيّة كان الانتقام من القاتل يمثّل نهاية مراسم العزاء عندهم ، بخلافه في حادثة عاشوراء حيث لم ينته العزاء على سيّد الشهداء وأصحابه الميامين بالانتقام من قتلتهم؛ وذلك أنّ شهادة الإمام الحسين عليه السلام تتمتّع وفق هذه النظرة بخصوصيّة مهمّة ، وهي امتزاجها بأبعاد الدين واستهداف إحياء الثقافة الدينيّة ، ولذلك فقد كانوا يعتبرون إحياء ذكر هذه الحادثة واجباً على الدوام. ويمكن أن ندرك هذه الحقيقة من سيرة الأئمّة عليهم السلام بالإضافة إلى هذه الرواية فقد سعى الأئمّة عليهم السلام ـ وكما سبق بيانه ـ من أجل ترسيخ اُسس مراسم العزاء على سيّد الشهداء ، ووضعوها في معرض الأجيال باعتبارها شعائر عظيمة .
المرحلة الثالثة (مراسم العزاء إلى ما قبل اكتسابها الطابع الرسمي في أواسط القرن الرابع الهجري)
تولّى الإمام الجواد عليه السلام الإمامة في طفولته (عام ۲۰۳ ه) ، وقد انتهى جهاز الحكم العبّاسي الظالم من خلال تجربته مع خلفيّات مواقف الأئمّة عليهم السلام وماضيهم ، إلى أن يواصل مراقبة الأئمّة عليهم السلام ، وكان قد صعّد هذه المراقبة من خلال دعوة الإمام الرضا عليه السلام إلى مرو . وها هو الآن يكرّس كلّ جهوده من أجل أن يفصم عرى الأواصر الفكريّة والإرشاديّة للشيعة عن