كان يوصي المؤمنين أن يجلسوا للعزاء في يوم عاشوراء ، وأن يزوروا مرقد سيّد الشهداء إن أمكنهم ذلك ۱ ، ويرتدوا ملابس العزاء ۲ ، وأن يصوّروا في أذهانهم حادثة كربلاء الأليمة والمدهشة ۳ ، وأن يتذكّروا ذلك اليوم ويقيموا العزاء حتّى وإن كانوا لوحدهم ۴ ، وأن يمسكوا عن اللذائذ وتناول الأطعمة اللّذيذة . ۵
أوليس كلّ هذا يفوق حدّ التذكير بقصّة مؤلمة وحزينة؟ إنّ عاشوراء تعني في سيرة الأئمّة عليهم السلام الاضطلاع بمسؤوليّة ثقافة بأكملها ، فحادثة عاشوراء تمثّل مدرسة ، لا مجرّد حادثة مثيرة للأحزان والأسف وما إلى ذلك.
ثالثا : عهد الإمام الكاظم والإمام الرضا عليهماالسلام و توسيع مراسم العزاء
يعدّ عهد الإمام الكاظم عليه السلام من العهود التي تستحقّ الاهتمام والتأمّل الكبيرين من الناحيتين السياسيّة والثقافيّة ، وفي الحقيقة فإنّ عهد الإمام الكاظم عليه السلام هو عهد وقف فيه الشيعة على أعتاب نهضة شاملة. ولذلك فإنّ تعاليم الإمام الكاظم عليه السلام من شأنها أن تثير الوعي واليقظة .
لقد دعا الإمام عليه السلام المجتمع الشيعي برمّته إلى مواجهة الباطل ومحاربته وذمّ عدم المبالاة بذلك ، ۶ واعتبر حادثة عاشوراء من الناحية العمليّة ثقافة مواجهة الباطل ، وشجّع كسلفه
1.تهذيب الأحكام : ج ۶ ص ۵۱ ح ۱۲۰ ، المزار المفيد : ص ۵۱ ح ۱ و۲ ، مصباح المتهجّد : ص ۷۷۱ و ۷۷۲، الإقبال : ج ۳ ص ۶۴ ، بحار الأنوار : ج ۱۰۱ ص ۱۰۵ ح ۱۱ .
2.في مصباح المتهجّد عن عبداللّه بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام : إنّ أفضل ما تأتي به في هذا اليوم [عاشوراء] أن تعمد إلى ثيابٍ طاهرة فتلبسها وتتسلّب، قلت: وما التسلّب؟ قال: تُحلّل أزرارك وتكشف عن ذراعيك كهيئة أصحاب المصائب (راجع : ص ۱۸۹ ح ۲۷۶۲) .
3.جاء في الحديث السابق عن عبداللّه بن سنان: « وتحوّل وجهك نحو قبر الحسين عليه السلام ومضجعه، فتمثّل لنفسك مصرعه ومن كان معه من ولده وأهله، وتسلّم وتصلّي عليه، وتلعن قاتليه وتبرأ من أفعالهم » .
4.راجع : حديث عبداللّه بن سنان بأكمله المنقول في الهوامش السابقة .
5.. راجع : ص ۱۸۶ ( الفصل الثالث / الاجتناب عن الملاذّ ) .
6.قال الإمام الكاظم عليه السلام للفضل بن يونس: أبلغ خيراً، وقل خيراً ولا تكن إمّعة . [قال :] قلت: وما الإمّعة؟ قال: لا تقل : أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس ؛ إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: يا أيّها الناس إنّما هما نجدان: نجد خير، ونجد شرّ ، فلا يكن نجد الشرّ أحبّ إليكم من نجد الخير (تحف العقول : ص ۴۱۳) .