اجتماعي وفكري رفيع، وكان قد اكتسب المرجعيّة الدينيّة ؛ إذ كان الناس يرجعون إليه كثيرا . ولذلك فقد كان شعاع وجوده ونفوذ كلامه يفوق والده عليه السلام ، وقد استغلّ الإمام الباقر عليه السلام كلّ ذلك من أجل تحويل العزاء إلى شعائر وتيّار فكري على مرّ التاريخ، ومن جملة ذلك بيان أقوال الإمام زين العابدين عليه السلام ـ باعتباره الشاهد في حادثة كربلاء ـ في فضل البكاء على الإمام الحسين عليه السلام ۱ ، وإقامة مجالس العزاء في داره، وتشجيع منشدي المراثي ۲ على تناول أبعاد هذه المأساة في قالب الأشعار وإنشاد الرثاء، وتحريض الشيعة على إقامة مجالس العزاء في بيوتهم مع مراعاة الاحتياط؛ بهدف الأمن من ردود فعل النظام الحاكم ۳ ، والاهتمام بالأدب والشعر في تخليد الحادثة ۴ ، وطرح فكرة التعطيل عن العمل في يوم عاشوراء لأوّل مرّة . ۵
وأخيراً التأكيد على أنّ إقامة العزاء على سيّد الشهداء عليه السلام تعين الأفراد في الدنيا على دينهم ، وتؤدّي في الآخرة إلى جوارهم للإمام الحسين عليه السلام والنبيّ صلى الله عليه و آله ۶ ، وتعتبر هذه النقطة من النقاط البالغة الأهمّية ؛ إذ كيف يمكن لعزاء الإمام الحسين عليه السلام أن يعين مقيميه في الدنيا ، وتكون نتيجته مجاورة النبيّ صلى الله عليه و آله ، ولماذا؟ أليس الإمام يواصل بكلامه البالغ الأهمّية هذا نفسَ الجبهة الواسعة التي كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله قد اتّخذها؟! وهو من كان حسينيّاً فهو محمّدي ، ومن ليس كذلك فليس بمحمّدي ! وهذا حقّا يدعو إلى التأمّل .
وعلى أيّ حال، فعلى الرغم من الاضطهاد الشديد الذي تعرّض له الشيعة والعلويّون في عهد تلك الحكومة الظالمة، والحيلولة دون إقامة العزاء، إلّا أنّ الإمام عليه السلام سعى من خلال
1.راجع : ص ۲۲۸ ( الفصل الرابع / بكاء الإمام زين العابدين عليه السلام ) .
2.راجع : ص ۲۳۲ ( الفصل الرابع / بكاء الإمام الباقر عليه السلام ) .
3.تتجلّى هذه الملاحظة في قول الإمام عليه السلام : «يأمر من في داره ممّن لا يتّقيه، بالبكاء عليه» من نصّ الحديث الوارد في مصباح المتهجّد: ص ۷۷۲.
4.راجع : ص ۱۷۸ ( الفصل الثاني / ذكر مصائبه عند الإمام الباقر عليه السلام ) .
5.راجع : ص ۱۸۵ ( الفصل الثالث / تعطيل الأعمال اليومية ) .
6.راجع : ص ۱۵۱ ( الفصل الأوّل / الحثّ على إقامة المأتم للحسين عليه السلام ) .