129
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد السّادس

وما منهم أحدٌ إلا ودمع عَينيه يترقرق على سوادها حزنا على أمير المؤمنين عليه السلام ، ونظرت إلى أولاده وقد أطرقوا برؤوسهم ، وما تنفّس منهم متنفّسٌ إلّا وظننت أنّ شظايا قلبه تخرج من أنفاسه .
يقول حبيب :
فجمعوا الأطباء ، وجاء أثير بن عمر برئة شاة فنفخها وأدخلها في الجرح ، فلمّا أخرجها رأى عليها أجزاءً من دماغ أمير المؤمنين عليه السلام ، فسأله الحاضرون ، فخرس وتلجلج لسانه .
فعرف الناس ويئسوا فأطرقوا برؤوسهم ، وكانوا يبكون بهدوء لئلّا تسمع النساء، سوى الأصبغ بن نباتة الذي لم يطِق صبراً دون أن شرق بعبرته وبكى بصوت عالٍ ، ففتح الإمام عليه السلام عينيه وبعد كلمات قال حبيب :
فقلت : يا أبا الحسن، لا يهولنّك ما ترى ، وإنّ جرحك غير ضائر فإنّ البرد لا يزيل الجبل الأصمّ ، ونفحة الهَجير لا يُجّفف البحر الخضَمّ ، والصِّلّ يقوى إذا ارتعش ، والليثُ يَضرى إذا خُدِش .
فأجابه الإمام عليه السلام بجواب سمعته اُمّ كلثوم فبكت ، فطلبها عليه السلام ، فدخلت على أبيها ـ ويبدو من هذا النقل أنّها جاءت أمام الجميع ـ وقالت :
أنت شمسُ الطالبيّين ، وقمر الهاشميّين ، دسّاسُ كُثبها المُترصِّد ، وأرقمُ أجمتِها المتفقّد ، عِزُّنا إذا شاهت الوجوه ذلّاً ، جمعنا إذا الموكبُ الكثير قَلّا . إلى آخره .
وللأسف فإنّ هذا الخبر المسجّع المقفّى الذي تسرّ النفس لسماعه، ليس له أصلٌ! ونحن لا نجد شيئاً من هذه الكلمات أبداً في كتاب الثقة الجليل عاصم بن حميد، مع


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
128

أحسن ، علّها تؤدّي إلى تنبيههم وكفّهم عن هذه القبائح. ويبدو أنّ سماحته يظنّ أنّ المدن المقدّسة في العراق وإيران آمنةٌ من هذه المصيبة وأنّها غير ملوّثة بالكذب والافتراء ، وأنّ هذا الفساد في الدين منحصر في تلك البلاد، غافلاً عن أنّ نشر الخراب تمتدّ جذوره في مركز العلم وحوزة أهل الشرع في العتبات المشرّفة ، فلو أنّ أهل العلم لم يتسامحوا في ذلك وميّزوا الصحيح من السقيم والصدق من الكذب في كلام هذه الطائفة ، ونهوا هؤلاء عن قول الأكاذيب ، لما بلغ الفساد هذا المبلغ! ۱ ويقول المحدّث النوري في موضعٍ آخر من كتاب اللؤلؤ و المرجان :
إنّ سكوت المتمكّنين يؤدّي إلى تجرّؤ وعدم مبالاة هذه الطائفة العديمة الإنصاف، حتّى في المراقد الشريفة ، وخاصّة مشهد سيّد الشهداء أرواحنا وأرواح العالمين له الفداء .. ، فإنّهم يعمدون في غالب الأوقات ـ وخاصّة في الأسحار التي هي أوقات البكاء والاستغفار ـ إلى أنواع الأكاذيب العجيبة ، وأحيانا الألحان المطربة ، ليلقوا بأجواء قاتمة على ذلك الحرم النوراني . ۲

نموذج من المراثي الكاذبة من وجهة نظر المحدّث النوري

والآن نلفت الانتباه إلى بعض النماذج من هذه الأكاذيب المختلقة في المراثي والتي ذكرها المحدّث النوري في كتاب اللؤلؤ والمرجان:

۱ . ما اُضيف إلى قصّة قدوم الطبيب لعلاج الإمام عليّ عليه السلام وهو على فراش الشهادة

نقل عن حبيب بن عمرو أنّه وفد على أمير المؤمنين عليه السلام بعد إصابته على رأسه الشريف ، وكان الأشراف ورؤساء القبائل وشرطة الخميس ۳ حاضرون عنده، أنّه قال :

1.لؤلؤ ومرجان (بالفارسيّة) : ص ۴.

2.المصدر السابق : ص ۳۲۱.

3.الشُّرطة : الجند والجمع شُرَط ؛ وهم أعوان السلطان والولاة ، وأوّل كتيبة تشهد الحرب ، وتتهيّأ للموت ، سُمّوا بذلك لأنّهم جعلوا لأنفسهم علامات يُعرفون بها للأعداء (مجمع البحرين : ج۲ ص۹۴۲) والمراد هنا نُخَبه وأصحابه عليه السلام المتقدّمين على غيرهم من الجند . والخميس : الجيش ، سُمّي به لأنّه مقسوم بخمسة أقسام : المقدّمة والسابقة والميمنة والميسرة والقلب . وقيل : لأنه تُخمّس فيه الغنائم (النهاية : ج۲ ص۷۹) وراجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج۲ ص ۳۱۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد السّادس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5196
صفحه از 430
پرینت  ارسال به