181
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الخامس

قالَ لَهُما: مَن أنتُما ؟ قالا لَهُ: يا شَيخُ! إن نَحنُ صَدَقناكَ فَلَنَا الأَمانُ ؟ قالَ: نَعَم. قالا: أمانُ اللّهِ وأمانُ رَسولِهِ، وذِمَّةُ اللّهِ وذِمَّةُ رَسولِهِ ؟ قالَ: نَعَم .
قالا: ومُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ عَلى ذلِكَ مِنَ الشّاهِدينَ ؟ قالَ: نَعَم. قالا: وَاللّهُ عَلى ما نَقولُ وَكيلٌ وشَهيدٌ ؟ قالَ: نَعَم. قالا لَهُ: يا شَيخُ! فَنَحنُ مِن عِترَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، هَرَبنا مِن سِجنِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ مِنَ القَتلِ. فَقالَ لَهُما: مِنَ المَوتِ هَرَبتُما، وإلَى المَوتِ وَقَعتُما، الحَمدُ للّهِِ الَّذي أظفَرَني بِكُما .
فَقامَ إلَى الغُلامَينِ فَشَدَّ أكتافَهُما، فَباتَ الغُلامانِ لَيلَتَهُما مُكَتَّفَينِ. فَلَمَّا انفَجَرَ عَمودُ الصُّبحِ، دَعا غُلاما لَهُ أسوَدَ ، يُقالُ لَهُ: فُلَيحٌ، فَقالَ: خُذ هذَينِ الغُلامَينِ، فَانطَلِق بِهِما إلى شاطِئِ الفُراتِ، وَاضرِب عُنُقَيهِما، وَائتِني بِرَأسَيهِما لِأَنطَلِقَ بِهِما إلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ، وآخُذَ جائِزَةَ ألفَي دِرهَمٍ .
فَحَمَلَ الغُلامُ السَّيفَ، ومَشى أمامَ الغُلامَينِ، فَما مَضى إلّا غَيرَ بَعيدٍ حَتّى قالَ أحَدُ الغُلامَينِ: يا أسوَدُ، ما أشبَهَ سَوادَكَ بِسَوادِ بِلالٍ مُؤَذِّنِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! قالَ : إنَّ مَولايَ قَد أمَرَني بِقَتلِكُما، فَمَن أنتُما ؟ قالا لَهُ: يا أسوَدُ، نَحنُ مِن عِترَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، هَرَبنا مِن سِجنِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ مِنَ القَتلِ: أضافَتنا عَجوزُكُم هذِهِ، ويُريدُ مَولاكَ قَتلَنا.
فَانكَبَّ الأَسوَدُ عَلى أقدامِهِما يُقَبِّلُهُما ويَقولُ: نَفسي لِنَفسِكُمَا الفِداءُ، ووَجهي لِوَجهِكُمَا الوِقاءُ، يا عِترَةَ نَبِيِّ اللّهِ المُصطَفى، وَاللّهِ لا يَكونُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله خَصمي فِي القِيامَةِ .
ثُمَّ عَدا فَرَمى بِالسَّيفِ مِن يَدِهِ ناحِيَةً، وطَرَحَ نَفسَهُ فِي الفُراتِ، وعَبَرَ إلَى الجانِبِ الآخَرِ، فَصاحَ بِهِ مَولاهُ: يا غُلامُ عَصَيتَني ! فَقالَ: يا مَولايَ، إنَّما أطَعتُكَ ما دُمتَ لا تَعصِي اللّهَ، فَإِذا عَصَيتَ اللّهَ فَأَنَا مِنكَ بَرِيءٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ .
فَدَعَا ابنَهُ، فَقالَ: يا بُنَيَّ، إنَّما أجمَعُ الدُّنيا حَلالَها وحَرامَها لَكَ ، وَالدُّنيا مُحَرَّصٌ


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
180

ثُمَّ أتَتهُما بِطَعامٍ فَأَكَلا وشَرِبا. فَلَمّا وَلَجَا الفِراشَ قالَ الصَّغيرُ لِلكَبيرِ: يا أخي، إنّا نَرجو أن نَكونَ قَد أمِنّا لَيلَتَنا هذِهِ، فَتَعالَ حَتّى اُعانِقَكَ وتُعانِقَني وأشُمَّ رائِحَتَكَ وتَشُمَّ رائِحَتي قَبلَ أن يُفَرِّقَ المَوتُ بَينَنا. فَفَعَلَ الغُلامانِ ذلِكَ، وَاعتَنَقا وناما .
فَلَمّا كانَ في بَعضِ اللَّيلِ أقبَلَ خَتَنُ العَجوزِ الفاسِقُ حَتّى قَرَعَ البابَ قَرعا خَفيفا ، فَقالَتِ العَجوزُ : مَن هذا ؟ قالَ: أنَا فُلانٌ. قالَت: مَا الَّذي أطرَقَكَ هذِهِ السّاعَةَ، ولَيسَ هذا لَكَ بِوَقتٍ ؟ قالَ : وَيحَكِ افتَحِي البابَ قَبلَ أن يَطيرَ عَقلي وتَنشَقَّ مَرارَتي في جَوفي ، جَهدُ البَلاءِ قَد نَزَلَ بي. قالَت: وَيحَكَ مَا الَّذي نَزَلَ بِكَ ؟ قالَ: هَرَبَ غُلامانِ صَغيرانِ مِن عَسكَرِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ، فَنادَى الأَميرُ في مُعَسكَرِهِ: مَن جاءَ بِرَأسٍ واحِدٍ مِنهُما فَلَهُ ألفُ دِرهَمٍ، ومَن جاءَ بِرَأسَيهِما فَلَهُ ألفا دِرهَمٍ، فَقَد اُتعِبتُ وتَعِبتُ ولَم يَصِل في يَدي شَى ءٌ .
فَقالَتِ العَجوزُ: يا خَتَني! اِحذَر أن يَكونَ مُحَمَّدٌ خَصمَكَ في يَومِ القِيامَةِ. قالَ لَها : وَيحَكِ إنَّ الدُّنيا مُحَرَّصٌ عَلَيها. فَقالَت: وما تَصنَعُ بِالدُّنيا ولَيسَ مَعَها آخِرةٌَ ؟ قالَ: إنّي لَأَراكِ تُحامينَ عَنهُما، كَأَنَّ عِندَكِ مِن طَلَبِ الأَميرِ شَيئا ، فَقومي فَإِنَّ الأَميرَ يَدعوكِ. قالَت: وما يَصنَعُ الأَميرُ بي ، وإنَّما أنَا عَجوزٌ في هذِهِ البَرِّيَّةِ ؟ قالَ: إنَّما لِيَ الطَّلَبُ، اِفتَحي لِيَ البابَ حَتّى أريحَ وأستَريحَ، فَإِذا أصبَحتُ بَكَّرتُ في أيِّ الطَّريقِ آخُذُ في طَلَبِهِما. فَفَتَحَت لَهُ البابَ، وأتَتهُ بِطَعامٍ وشَرابٍ فَأَكَلَ وشَرِبَ .
فَلَمّا كانَ في بَعضِ اللَّيلِ سَمِعَ غَطيطَ الغُلامَينِ في جَوفِ البَيتِ، فَأَقبَلَ يَهيجُ كَما يَهيجُ البَعيرُ الهائِجُ، ويَخورُ كَما يَخورُ الثَّورُ، ويَلمِسُ بِكَفِّهِ جِدارَ البَيتِ حَتّى وَقَعَت يَدُهُ عَلى جَنبِ الغُلامِ الصَّغيرِ، فَقالَ لَهُ: مَن هذا ؟ قالَ: أمّا أنَا فَصاحِبُ المَنزِلِ، فَمَن أنتُما . فَأَقبَلَ الصَّغيرُ يُحَرِّكُ الكَبيرَ ويَقولُ: قُم يا حَبيبي، فَقَد وَاللّهِ وَقَعنا فيما كُنّا نُحاذِرُهُ.

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الخامس
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5792
صفحه از 414
پرینت  ارسال به