قالَ لَهُما: مَن أنتُما ؟ قالا لَهُ: يا شَيخُ! إن نَحنُ صَدَقناكَ فَلَنَا الأَمانُ ؟ قالَ: نَعَم. قالا: أمانُ اللّهِ وأمانُ رَسولِهِ، وذِمَّةُ اللّهِ وذِمَّةُ رَسولِهِ ؟ قالَ: نَعَم .
قالا: ومُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللّهِ عَلى ذلِكَ مِنَ الشّاهِدينَ ؟ قالَ: نَعَم. قالا: وَاللّهُ عَلى ما نَقولُ وَكيلٌ وشَهيدٌ ؟ قالَ: نَعَم. قالا لَهُ: يا شَيخُ! فَنَحنُ مِن عِترَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، هَرَبنا مِن سِجنِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ مِنَ القَتلِ. فَقالَ لَهُما: مِنَ المَوتِ هَرَبتُما، وإلَى المَوتِ وَقَعتُما، الحَمدُ للّهِِ الَّذي أظفَرَني بِكُما .
فَقامَ إلَى الغُلامَينِ فَشَدَّ أكتافَهُما، فَباتَ الغُلامانِ لَيلَتَهُما مُكَتَّفَينِ. فَلَمَّا انفَجَرَ عَمودُ الصُّبحِ، دَعا غُلاما لَهُ أسوَدَ ، يُقالُ لَهُ: فُلَيحٌ، فَقالَ: خُذ هذَينِ الغُلامَينِ، فَانطَلِق بِهِما إلى شاطِئِ الفُراتِ، وَاضرِب عُنُقَيهِما، وَائتِني بِرَأسَيهِما لِأَنطَلِقَ بِهِما إلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ، وآخُذَ جائِزَةَ ألفَي دِرهَمٍ .
فَحَمَلَ الغُلامُ السَّيفَ، ومَشى أمامَ الغُلامَينِ، فَما مَضى إلّا غَيرَ بَعيدٍ حَتّى قالَ أحَدُ الغُلامَينِ: يا أسوَدُ، ما أشبَهَ سَوادَكَ بِسَوادِ بِلالٍ مُؤَذِّنِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ! قالَ : إنَّ مَولايَ قَد أمَرَني بِقَتلِكُما، فَمَن أنتُما ؟ قالا لَهُ: يا أسوَدُ، نَحنُ مِن عِترَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، هَرَبنا مِن سِجنِ عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ مِنَ القَتلِ: أضافَتنا عَجوزُكُم هذِهِ، ويُريدُ مَولاكَ قَتلَنا.
فَانكَبَّ الأَسوَدُ عَلى أقدامِهِما يُقَبِّلُهُما ويَقولُ: نَفسي لِنَفسِكُمَا الفِداءُ، ووَجهي لِوَجهِكُمَا الوِقاءُ، يا عِترَةَ نَبِيِّ اللّهِ المُصطَفى، وَاللّهِ لا يَكونُ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله خَصمي فِي القِيامَةِ .
ثُمَّ عَدا فَرَمى بِالسَّيفِ مِن يَدِهِ ناحِيَةً، وطَرَحَ نَفسَهُ فِي الفُراتِ، وعَبَرَ إلَى الجانِبِ الآخَرِ، فَصاحَ بِهِ مَولاهُ: يا غُلامُ عَصَيتَني ! فَقالَ: يا مَولايَ، إنَّما أطَعتُكَ ما دُمتَ لا تَعصِي اللّهَ، فَإِذا عَصَيتَ اللّهَ فَأَنَا مِنكَ بَرِيءٌ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ .
فَدَعَا ابنَهُ، فَقالَ: يا بُنَيَّ، إنَّما أجمَعُ الدُّنيا حَلالَها وحَرامَها لَكَ ، وَالدُّنيا مُحَرَّصٌ