407
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث

ولكنّ ما ذُكر في أهمّية الكوفة لا يعني أنّ فضيلة أهل الكوفة دائمية ، بل ماداموا أوفياء للقيم الإسلامية كما خاطبهم الإمام عليّ عليه السلام في اللحظات الاُولى من وصوله إلى الكوفة بعد انتصاره في معركة الجمل ، حيث قال :
يا أهلَ الكوفَةِ فَإِنَّ لَكُم فِي الإِسلامِ فَضلاً ما لَم تُبَدِّلوا وتُغَيِّروا . ۱
وهذا الكلام يعني أنّ أهل الكوفة يخضعون دوماً ككلّ البشر للامتحان الإلهي والمزالق ، وهذه الفضائل لا يمكن أن تبقى إلّا إذا ثبتوا في الدفاع عن القيم الإسلامية .

رابعاً : مركز محاربة حكومة الشام

كان الدور الحاسم لأهل الكوفة في الفتوح الإسلامية ومحاربتهم لحكومة الشام وخاصّة في عهد حكم الإمام عليّ عليه السلام ، يستوجب ألّا يرتضوا أن تكون الشام مركز الخلافة واتّخاذ القرارات في العالم الإسلامي . ولذلك كانت الكوفة طيلة الحكم الاُموي مركزاً لمحاربة حكومة الشام ومعارضتها ، وقد قدّمت في هذا الطريق أكبر عدد من القتلى والسجناء والمنفيّين .
وقد اعترف معاوية نفسه بهذه الحقيقة ، حيث قال في وصيّته لابنه يزيد :
وانظر إلى أهل العراق فإنّهم لا يحبّونك أبداً ولا ينصحونك ، ولكن دارِهِم ما أمكنك واستطعت ، وإن سألوك أن تعزل عنهم في كلّ يوم عاملاً فافعل ، فإنّ عزل عامل واحد هو أيسر عليك وأخفّ من أن يشهروا عليك مئة ألف سيف . ۲
وقد قام «زياد بن أبيه» في الفترة التي تولّى فيها إمارة الكوفة من جانب معاوية ـ فضلاً عن قتل ۳ وسجن الكثير من الثوار، ونفي الكثير منهم إلى الشام والمدن

1.وقعة صفّين : ص ۳ .

2.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۱۷۷ وراجع : هذه الموسوعة : ج ۲ ص ۲۵۴ (القسم الخامس / الفصل الثالث : استخلاف يزيد / وصية معاوية ليزيد لمّا حضره الموت) .

3.راجع : ج ۲ ص ۱۶۵ (القسم الخامس / الفصل الثاني / موقف الإمام عليه السلام في مواجهة معاوية/ رسالة توبيخية من الإمام عليه السلام لمعاوية لظلمه وبدعه .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
406

اُخرى ، دور مؤثّر في التطوّر الثقافي لأهل الكوفة .
وعلى هذا الأساس ، فإنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ قسماً من أهل الكوفة كانوا عند ثورة الإمام الحسين عليه السلام ـ حيث كان قد مرّ حوالي ۲۵ عاماً على بداية حكم الإمام عليّ عليه السلام ـ يتمتّعون بشكل نسبي بأعلى مستوى ثقافي بين المجتمعات الإسلامية ، ولذلك فقد كانت أرضية المطالبة بالإصلاح والثورة ضدّ ظلم بني اُمية وجورهم مهيّأة في هذه المدينة أكثر من أيّ مكان آخر ، وممّا يشهد على ذلك ثوراتهم المتكرّرة ضدّ أنظمة الحكم آنذاك بعد ثورة الإمام الحسين عليه السلام .
روى الشيخ الكليني عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه قال :
الكوفَةُ جُمجُمَةُ العَرَبِ ، ورُمحُ اللّهِ تَبارَكَ وتَعالى ، وكَنزُ الإيمانِ . ۱
وقد وصف هذا الحديث الشريف الكوفة بثلاث خصوصيّات : هي إشارة إلى المركز السياسي ، والموقع العسكري ، والمكانة الثقافية .
فالجمجمة هي موضع الدماغ ، والتعبير ب «جمجمة العرب» إشارة إلى أنّه سيحلّ يوم تكون فيه الكوفة مركز القرارات المهمّة في العالم العربي والعالم الإسلامي تبعاً له . و«الرمح» هو أحد أسلحة القتال المهمّة في ذلك العصر ، والتعبير «رمح اللّه » إشارة إلى مكانتها العسكرية الاستراتيجية . وأخيراً فإنّ «كنز الإيمان» إشارة إلى المكانة الثقافية المتميّزة للكوفة في العالم الإسلامي .
كما أشار سلمان الفارسي ـ الذي يعتبر من كبار أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه و آله ـ إلى المكانة المرموقة للكوفة في العالم الإسلامي ، من خلال التعبير عنها ب «قبّة الإسلام» . ۲

1.الكافي : ج ۶ ص ۲۴۳ ح ۱ ، علل الشرائع : ص ۴۶۱ ، ح ۱ . وممّا يجدر ذكره أنّ هذا المضمون نُقل عن عمر في مصادر أهل السنّة ، وأنّ سند رواية الكافي ضعيف ، ونظراً إلى أنّ الكوفة بُنيت بعد سبع سنوات تقريباً من وفاة النبي صلى الله عليه و آله ، يبدو أنّ مصادر أهل السنّة أقرب إلى الواقع (راجع : تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۵۹ والطبقات الكبرى : ج ۶ ص ۵ وفتوح البلدان : ص ۲۸۷) .

2.المصنّف لابن أبي شيبة : ج ۷ ص ۵۵۳ الرقم ۲ ، معجم البلدان : ج ۴ ص ۴۹۲ ، فتوح البلدان : ص ۲۸۷ كما روي هذا التعبير عن صعصعة بن صوحان (راجع : مروج الذهب : ج ۳ ص ۵۱) .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 7847
صفحه از 458
پرینت  ارسال به