ولكنّ ما ذُكر في أهمّية الكوفة لا يعني أنّ فضيلة أهل الكوفة دائمية ، بل ماداموا أوفياء للقيم الإسلامية كما خاطبهم الإمام عليّ عليه السلام في اللحظات الاُولى من وصوله إلى الكوفة بعد انتصاره في معركة الجمل ، حيث قال :
يا أهلَ الكوفَةِ فَإِنَّ لَكُم فِي الإِسلامِ فَضلاً ما لَم تُبَدِّلوا وتُغَيِّروا . ۱
وهذا الكلام يعني أنّ أهل الكوفة يخضعون دوماً ككلّ البشر للامتحان الإلهي والمزالق ، وهذه الفضائل لا يمكن أن تبقى إلّا إذا ثبتوا في الدفاع عن القيم الإسلامية .
رابعاً : مركز محاربة حكومة الشام
كان الدور الحاسم لأهل الكوفة في الفتوح الإسلامية ومحاربتهم لحكومة الشام وخاصّة في عهد حكم الإمام عليّ عليه السلام ، يستوجب ألّا يرتضوا أن تكون الشام مركز الخلافة واتّخاذ القرارات في العالم الإسلامي . ولذلك كانت الكوفة طيلة الحكم الاُموي مركزاً لمحاربة حكومة الشام ومعارضتها ، وقد قدّمت في هذا الطريق أكبر عدد من القتلى والسجناء والمنفيّين .
وقد اعترف معاوية نفسه بهذه الحقيقة ، حيث قال في وصيّته لابنه يزيد :
وانظر إلى أهل العراق فإنّهم لا يحبّونك أبداً ولا ينصحونك ، ولكن دارِهِم ما أمكنك واستطعت ، وإن سألوك أن تعزل عنهم في كلّ يوم عاملاً فافعل ، فإنّ عزل عامل واحد هو أيسر عليك وأخفّ من أن يشهروا عليك مئة ألف سيف . ۲
وقد قام «زياد بن أبيه» في الفترة التي تولّى فيها إمارة الكوفة من جانب معاوية ـ فضلاً عن قتل ۳ وسجن الكثير من الثوار، ونفي الكثير منهم إلى الشام والمدن