ومُلِئَت غَرائِرُهُم لِيُستَمالَ وُدُّهُم ، وتُستَنزَلَ نَصائِحُهُم ، فَهُم عَلَيكَ إلبٌ واحِدٌ ، وما كَتَبوا إلَيكَ إلّا لِيَجعَلوكَ سوقا وكَسبا . وأمّا سائِرُ النّاسِ بَعدُ ، فَأَفئِدَتُهُم تَهوي إلَيكَ ، وسُيوفُهُم غَدا مَشهورَةٌ عَليكَ .
وكانَ الطِّرِمّاحُ بنُ عَدِيٍّ دَليلَ هؤُلاءِ النَّفَرِِ ، فَأَخَذَ بِهِم عَلَى الغَرِيَّينِ ، ثُمَّ ظَعَنَ بِهِم فِي الجَوفِ ، وخَرَجَ بِهِم عَلَى البَيضَةِ إلى عُذَيبِ الهِجاناتِ ، وكانَ يَقولُ وهُوَ يَسيرُ :
يا ناقَتي لا تَذعَري مِن زَجريوشَمِّري قَبلَ طُلوعِ الفَجرِ
بِخَيرِ رُكبانٍ وخَيرِ سَفرِحَتّى تَحُلّي بِكَريمِ النَجرِ
أتى بِهِ اللّهُ بِخَيرِ أمرِثَمَّتَ أبقاهُ بَقاءَ الدَّهرِ
فَدَنا الطِّرِمّاحُ بنُ عَدِيٍّ مِنَ الحُسَينِ عليه السلام فَقالَ لَهُ : وَاللّهِ إنّي لَأَنظُرُ فَما أرى مَعَكَ كَبيرَ أحَدٍ ، ولَو لَم يُقاتِلكَ غَيرُ هؤُلاءِ الَّذينَ أراهُم مُلازِمينَ لَكَ مَعَ الحُرِّ لَكانَ ذلِكَ بَلاءً ، فَكَيفَ وقَد رَأَيتُ ـ قَبلَ خُروجي مِنَ الكوفَةِ بِيَومٍ ـ ظَهرَ الكوفَةِ مَملوءا رِجالاً ، فَسَأَلتُ عَنهُم فَقيلَ : عُرِضوا لِيُوَجَّهوا إلَى الحُسَينِ ـ أو قالَ : لِيُسَرَّحوا ـ فَنَشَدتُكَ اللّهَ إن قَدَرتَ ألّا تَتَقَدَّمَ إلَيهِم شِبرا إلّا فَعَلتَ . وعَرَضَ عَلَيهِ أن يُنزِلَهُ أجَأً أو سَلمى ۱
أحَدَ جَبَلَي طَيِءٍ ، فَجَزّاهُ خَيرا ، ثُمَّ وَدَّعَهُ ومَضى إلى أهلِهِ ، ثُمَّ أقبَلَ يُريدُهُ فَبَلَغَهُ مَقتَلُهُ ، فَانصَرَفَ . ۲
۱۴۹۵.الفتوح :أقبَلَ الحُسَينُ عليه السلام إلى أصحابِهِ وقالَ : هَل فيكُم أحَدٌ يَخبُرُ ۳
الطَّريقَ عَلى غَيرِ الجادَّةِ ؟ فَقالَ الطِّرِمّاحُ بنُ عَدِيٍّ الطائِيُّ : يَابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ ! أنَا أخبُرُ الطَّريقَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : إذا سِر بَينَ أيدينا ! قالَ : فَسارَ الطِّرِمّاحُ وَاتَّبَعَهُ الحُسَينُ عليه السلام هُوَ وأصحابُهُ ، وجَعَلَ الطِّرِمّاحُ يَقولُ :
يا ناقَتي لا تَجزَعي مِن زَجريوَامضي بِنا قَبلَ طُلوعِ الفَجرِ
بِخَيرِ فِتيانٍ وخَيرِ سَفرِإلى رَسولِ اللّهِ أهلِ الفَخرِ
اَلسّادةِ البيضِ الوُجوهِ الزُّهرِاَلطّاعنينَ بِالرِّماحِ السُّمرِ
اَلضّارِبينَ بِالسُّيوفِ البُترِحَتى تَحُلّي بِكَريمِ النَّجرِ
بِماجِدِ الجَدِّ رَحيبِ الصَّدرِأتى بِهِ اللّهُ لِخَيرِ أمرِ
عَمَّرَهُ اللّهُ بَقاءَ الدَّهرِيا مالِكَ النَّفعِ مَعا وَالضُّرِّ
اُمدُد حُسَينا سَيِّدي بِالنَّصرِعَلَى الطُّغاةِ مِن بَقايَا الكُفرِ
عَلى اللَّعينَينِ سَليلَي صَخرِ ۴يَزيدَ لا زالَ حَليفَ الخَمرِ
وَالعودِ وَالصَّنجِ مَعا وَالزَّمرِوَابنِ زِيادِ العهرِ وَابنِ العهرِ . ۵
1.راجع : الخريطة رقم ۳ في آخر هذا المجلّد .
2.أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۸۲ وراجع : مثير الأحزان : ص ۴۳ .
3.خَبَرتُ الشيءَ أخبُرُ ـ من باب قَتَل ـ : علمتُهُ (المصباح المنير : ص ۱۶۲ «خبر») .
4.صخر : هو اسم أبي سفيان .
5.الفتوح : ج ۵ ص ۷۹ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۳۳ ؛ المناقب لابن شهرآشوب : ج ۴ ص ۹۶ وفيه إلى «الضاربين بالسيوف البترِ» وكلاهما نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۴ ص ۳۷۸ وراجع : مثير الأحزان : ص ۴۸ .