مَعروفُها وَاستَمَرَّت جِدّا ، فَلَم يَبقَ مِنها إلّا صُبابةٌ كَصُبابَةِ الإِناءِ ، وخَسيسُ عَيشٍ كَالمَرعى الوَبيلِ. ۱
ألا تَرَونَ أنَّ الحَقَّ لا يُعمَلُ بِهِ ، وأنَّ الباطِلَ لا يُتَناهى عَنهُ ! لِيَرغَبِ المُؤمِنُ في لِقاءِ اللّهِ مُحِقّا ؛ فَإِنّي لا أرى المَوتَ إلّا شَهادَةً ، ولا الحَياةَ مَعَ الظّالِمينَ إلّا بَرَما . ۲
قالَ : فَقامَ زُهَيرُ بنُ القَينِ البَجَلِيُّ فَقالَ لِأَصحابِهِ : تَكَلَّمونَ أم أتَكَلَّمُ ؟ قالوا : لا ، بل تَكَلَّم ، فَحَمِدَ اللّهَ فَأَثنى عَلَيهِ ثُمَّ قالَ : قَد سَمِعنا ـ هَداكَ اللّهُ يَابنَ رَسولِ اللّهِ ـ مَقالَتَكَ ، وَاللّهِ لَو كانَتِ الدُّنيا لَنا باقِيَةً وكُنّا فيها مُخَلَّدينَ ، إلّا أنَّ فِراقَها في نَصرِكَ ومُواساتِكَ ، لَاثَرنَا الخُروجَ مَعَكَ عَلَى الإِقامَةِ فيها . قالَ : فَدَعا لَهُ الحُسَينُ عليه السلام ثُمَّ قالَ لَهُ خَيرا . ۳
۱۴۸۶.الملهوف :فَقامَ الحُسَينُ عليه السلام خَطيبا في أصحابِهِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، وذَكَرَ جَدَّهُ فَصَلّى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ : إنَّهُ قَد نَزَلَ بِنا مِنَ الأَمرِ ما قَد تَرَونَ ، وإنَّ الدُّنيا قَد تَنَكَّرَت وتَغَيَّرَت ، وأدبَرَ مَعروفُها وَاستَمَرَّت جَذّاءَ ۴
، ولَم يَبقَ مِنها إلّا صُبابةٌ كَصُبابَةِ الإِناءِ ، وخَسيسُ عَيشٍ كَالمَرعى الوَبيلِ ، ألا تَرَونَ إلَى الحَقِّ لا يُعمَلُ بِهِ ، وإلَى الباطِلِ لا يُتَناهى عَنهُ ! لِيَرغَبِ المُؤمِنُ في لِقاءِ رَبِّهِ مُحِقّا ، فَإِنّي لا أرى المَوتَ إلّا سَعادَةً وَالحَياةَ مَعَ الظّالِمينَ إلّا بَرَما .
فَقامَ زُهَيرُ بنُ القَينِ ، فَقالَ : لَقَد سَمِعنا ـ هَدانا اللّهُ بِكَ يَابنَ رَسولِ اللّهِ ـ مَقالَتَكَ ، ولَو كانَتِ الدُّنيا لَنا باقِيَةً، وكُنّا فيها مُخَلَّدينَ، لَاثَرَنا النُّهوضَ مَعَكَ عَلَى الإِقامَةِ فيها.
1.الوَبيلُ من المرعى : الوَخيم (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۷۲۰ «وبل») .
2.بَرَما : مصدر برِم به : سئمهُ وملّه (النهاية : ج ۱ ص ۱۲۱ «برم») .
3.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۴۰۳ ؛ مثير الأحزان : ص ۴۴ عن عتبة بن أبي العبران وليس فيه ذيله من «قال : فقام زهير» .
4.جَذَذْتُ الشيء : كَسّرتُه وقطّعتُه (الصحاح : ج ۲ ص ۵۶۱ «جذذ») .