365
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث

مُنادِيَهُ فَنادى بِالعَصرِ ، وأقامَ فَاستَقدَمَ الحُسَينُ عليه السلام فَصَلّى بِالقَومِ ثُمَّ سَلَّمَ ، وَانصَرَفَ إلَى القَومِ بِوَجهِهِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ ، أيُّهَا النّاسُ ! فَإِنَّكُم إن تَتَّقوا وتَعرِفُوا الحَقَّ لِأَهلِهِ يَكُن أرضى للّهِِ ، ونَحنُ أهلَ البَيتِ أولى بِوِلايَةِ هذَا الأَمرِ عَلَيكُم مِن هؤُلاءِ المُدَّعينَ ما لَيسَ لَهُم ، وَالسّائِرينَ فيكُم بِالجَورِ وَالعُدوانِ ، وإن أنتُم كَرِهتُمونا ، وجَهِلتُم حَقَّنا ، وكانَ رَأيُكُم غَيرَ ما أتَتني كُتُبُكُم ، وقَدِمَت بِهِ عَلَيَّ رُسُلُكُم ، اِنصَرَفتُ عَنكُم .
فَقالَ لَهُ الحُرُّ بنُ يَزيدَ : إنّا وَاللّهِ ما نَدري ما هذِهِ الكُتُبُ الَّتي تَذكُرُ !
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : يا عُقبَةَ بنَ سَمعانَ ! أخرِجِ الخُرجَينِ اللَّذَينِ فيهِما كُتُبُهُم إلَيَّ . فَأَخرَجَ خُرجَينِ مَملوءَينِ صُحُفا ، فَنَشَرَها بَينَ أيديهِم .
فَقالَ الحُرُّ : فَإِنّا لَسنا مِن هؤُلاءِ الَّذينَ كَتَبوا إلَيكَ ، وقَد اُمِرنا إذا نَحنُ لَقيناكَ ألّا نُفارِقَكَ حَتّى نُقدِمَكَ عَلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : المَوتُ أدنى إلَيكَ مِن ذلِكَ ، ثُمَّ قالَ لِأَصحابِهِ : قوموا فَاركَبوا ، فَرَكِبوا وَانتَظَروا حَتّى رَكِبَت نِساؤُهم ، فَقالَ لِأَصحابِهِ : اِنصَرِفوا بِنا . فَلَمّا ذَهَبوا لِيَنصَرِفوا حالَ القَومُ بَينَهُم وبَينَ الاِنصِرافِ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام لِلحُرِّ : ثَكِلَتكَ اُمُّكَ ! ما تُريدُ ؟ قالَ : أمَا وَاللّهِ لَو غَيرُكَ مِنَ العَرَبِ يَقولُها لي وهُوَ عَلى مِثلِ الحالِ الَّتي أنتَ عَلَيها ما تَرَكتُ ذِكرَ اُمِّهِ بِالثُّكلِ أن أقولَهُ كائِنا مَن كانَ ، ولكن وَاللّهِ ما لي إلى ذِكرِ اُمِّكَ مِن سَبيلٍ إلّا بِأَحسَنِ ما يُقدَرُ عَلَيهِ .
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : فَما تُريدُ ؟ قالَ الحُرُّ : اُريدُ ـ وَاللّهِ ـ أن أنطَلِقَ بِكَ إلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ .
قالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السلام : إذن وَاللّهِ لا أتبَعُكَ ! فَقالَ لَهُ الحُرُّ : إذَن وَاللّهِ لا أدَعُكَ ! فَتَرادّا القَولَ ثَلاثَ مَرّاتٍ ، ولَمّا كَثُرَ الكَلامُ بَينَهُما قالَ لَهُ الحُرُّ : إنّي لَم اُؤمَر بِقِتالِكَ ، وإنَّما


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
364

أفعَلُ ! قالَ : فَقامَ الحُسَينُ عليه السلام فَخَنَثَهُ ، فَشَرِبتُ وسَقَيتُ فَرَسي .
قالَ : وكانَ مَجيءُ الحُرِّ بنِ يَزيدَ ومَسيرُهُ إلَى الحُسَينِ عليه السلام مِنَ القادِسِيَّةِ ، وذلِكَ أنَّ عُبَيدَ اللّهِ بنَ زِيادٍ لَمّا بَلَغَهُ إقبالُ الحُسَينِ عليه السلام بَعَثَ الحُصَينَ بنَ تَميمٍ التَّميمِيَّ ـ وكانَ عَلى شُرَطِهِ ـ فَأَمَرَهُ أن يَنزِلَ القادِسِيَّةَ ، وأن يَضَعَ المَسالِحَ فَيُنَظِّمَ ما بَينَ القُطقُطانَةِ إلى خَفّانَ ۱ ، وقَدَّمَ الحُرَّ بنَ يَزيدَ بَينَ يَدَيهِ في هذِهِ الأَلفِ مِنَ القادِسِيَّةِ ، فَيَستَقبِلُ قالَ : فَلَم يَزَل مُوافِقا حُسَينا عليه السلام حَتّى حَضَرَتِ الصَّلاةُ ؛ صَلاةَ الظُّهرِ ، فَأَمَرَ الحُسَينُ عليه السلام الحَجّاجَ بنَ مَسروقٍ الجُعفِيَّ أن يُؤَذِّنَ ، فَأَذَّنَ ، فَلَمّا حَضَرَتِ الإِقامَةُ خَرَجَ الحُسَينُ عليه السلام في إزارٍ ورِداءٍ ونَعلَينِ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قالَ :
أيُّهَا النّاسُ ! إنَّها مَعذِرَةٌ إلَى اللّهِ عز و جل وإلَيكُم ؛ إنّي لَم آتِكُم حَتّى أتَتني كُتُبُكُم ، وقَدِمَت عَلَيَّ رُسُلُكُم : أنِ اقدَم عَلَينا ؛ فَإِنَّهُ لَيسَ لَنا إمامٌ ، لَعَلَّ اللّهَ يَجمَعُنا بِكَ عَلَى الهُدى . فَإِن كُنتُم عَلى ذلِكَ فَقَد جِئتُكُم ، فَإِن تُعطوني ما أطمَئِنُّ إلَيهِ مِن عُهودِكُم ومَواثيقِكُم اَقدَم مِصرَكُم ، وإن لَم تَفعَلوا وكُنتُم لِمَقدَمي كارِهينَ انصَرَفتُ عَنكُم إلَى المَكانِ الَّذي أقبَلتُ مِنهُ إلَيكُم !
قالَ : فَسَكَتوا عَنهُ وقالوا لِلمُؤَذِّنِ : أقِم ، فَأَقامَ الصَّلاةَ ، فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام لِلحُرِّ : أتُريدُ أن تُصَلِّيَ بِأَصحابِكَ ؟ قالَ : لا ، بَل تُصَلّي أنتَ ونُصَلّي بِصَلاتِكَ ، قالَ : فَصَلّى بِهِمُ الحُسَينُ عليه السلام ، ثُمَّ إنَّهُ دَخَلَ وَاجتَمَعَ إلَيهِ أصحابُهُ ، وَانصَرَفَ الحُرُّ إلى مَكانِهِ الَّذي كانَ بِهِ ، فَدَخَلَ خَيمَةً قَد ضُرِبَت لَهُ ، فَاجتَمَعَ إلَيهِ جَماعَةٌ مِن أصحابِهِ ، وعادَ أصحابُهُ إلى صَفِّهِمُ الَّذي كانوا فيهِ فَأَعادوهُ ، ثُمَّ أخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم بِعِنانِ دابَّتِهِ وجَلَسَ في ظِلِّها ، فَلَمّا كانَ وَقتُ العَصرِ أمَرَ الحُسَينُ عليه السلام أن يَتَهَيَّؤوا لِلرَّحيلِ . ثُمَّ إنَّهُ خَرَجَ فَأَمَرَ

1.خَفّان : موضع قرب الكوفة (معجم البلدان : ج ۲ ص ۳۷۹) وراجع: الخريطة رقم ۴ في آخر المجلّد ۴ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4656
صفحه از 458
پرینت  ارسال به