285
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث

مِن حَقِّكَ عُشرَ العُشرِ ، وها أنَا بَينَ يَدَيكَ ، مُرني بِأَمرِكَ .
فَقالَ ابنُ عُمَرَ : مَهلاً ! ذَرنا مِن هذا يَا بنَ عَبّاسٍ . قالَ : ثُمَّ أقبَلَ ابنُ عُمَرَ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام ، فَقالَ : أبا عَبدِ اللّهِ ، مَهلاً عَمّا قَد عَزَمتَ عَلَيهِ ، وَارجِع مِن هُنا إلَى المَدينَةِ ، وَادخُل في صُلحِ القَومِ ، ولا تَغِب عَن وَطَنِكَ وحَرَمِ جَدِّكَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولا تَجعَل لِهؤُلاءِ الَّذينَ لا خَلاقَ لَهُم عَلى نَفسِكَ حُجَّةً وسَبيلاً ، وإن أحببَتَ ألّا تُبايِعَ فَأَنتَ مَتروكٌ حَتّى تَرى بِرَأيِكَ ، فَإِنَّ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَةَ عَسى ألّا يَعيشَ إلّا قَليلاً ، فَيَكفِيَكَ اللّهُ أمرَهُ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : اُفٍّ لِهذَا الكَلامِ أبَدا مادامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ ، أسأَلُكَ بِاللّهِ يا عَبدَ اللّهِ ، أنَا عِندَكَ عَلى خَطَأٍ مِن أمري هذا ؟ فَإِن كُنتُ عِندَكَ عَلى خَطَأٍ فَرُدَّني ، فَإِنّي أخضَعُ وأسمَعُ واُطيعُ .
فَقالَ ابنُ عُمَرَ : اللّهُمَّ لا ، ولَم يَكُنِ اللّهُ تَعالى يَجعَلُ ابنَ بِنتِ رَسولِهِ عَلى خَطَأٍ ، ولَيسَ مِثلُكَ مِن طَهارَتِهِ وصَفوَتِهِ مِنَ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله عَلى مِثلِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ بِاسمِ الخِلافَةِ ، ولكن أخشى أن يُضرَبَ وَجهُكَ هذَا الحَسَنُ الجَميلُ بِالسُّيوفِ ، وتَرى مِن هذِهِ الاُمَّةِ ما لا تُحِبُّ ، فَارجِع مَعَنا إلَى المَدينَةِ ، وإن لَم تُحِبَّ أن تُبايِعَ ، فَلا تُبايِع أبدا وَاقعُد في مَنزِلِكَ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : هَيهاتَ يَا بنَ عُمَرَ ، إنَّ القَومَ لا يَترُكونّي ، وإن أصابوني وإن لَم يُصيبوني فَلا يَزالونَ حَتّى اُبايِعَ وأنَا كارِهٌ ، أو يَقتُلوني ، أما تَعلَمُ يا عَبدَ اللّهِ ، أنَّ مِن هَوانِ هذِهِ الدُّنيا عَلَى اللّهِ تَعالى أنَّهُ اُتِيَ بِرَأسِ يَحيَى بنِ زَكَرِيّا عليه السلام إلى بَغِيَّةٍ مِن بَغايا بَني إسرائيلَ ، وَالرَّأسُ يَنطِقُ بِالحُجَّةِ عَلَيهِم ؟! أما تَعلَمُ أبا عَبدِ الرَّحمنِ ، أنَّ بَني إسرائيلَ كانوا يَقتُلونَ ما بَينَ طُلوعِ الفَجرِ إلى طُلوعِ الشَّمسِ سَبعينَ نَبِيّا ، ثُمَّ يَجلِسونَ في أسواقِهِم يَبيعونَ ويَشتَرونَ كُلُّهُم كَأَنَّهُم لَم يَصنَعوا شَيئا؟! فَلَم يُعَجِّلِ اللّهُ


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
284

ابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؟ فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : اللّهُمَّ نَعَم ، نَعلَمُ ونَعرِفُ أنَّ ما فِي الدُّنيا أحَدٌ هُوَ ابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله غَيرُكَ ، وأنَّ نَصرَكَ لَفَرضٌ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ ، كَفَريضَةِ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ الَّتي لا يُقدَرُ أن يُقبَلَ أحَدُهُما دونَ الاُخرى .
قالَ الحُسَينُ عليه السلام : يَابنَ عَبّاسٍ ، فَماتَقولُ في قَومٍ أخرَجُوا ابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن دارِهِ وقَرارِهِ ، ومَولِدِهِ وحَرَمِ رَسولِهِ ، ومُجاوَرَةِ قَبرِهِ ومَولِدِهِ ، ومَسجِدِهِ ومَوضِعِ مُهاجَرِهِ ، فَتَرَكوهُ خائِفا مَرعوبا لا يَستَقِرُّ في قَرارٍ ، ولا يأوي في مَوطِنٍ ، يُريدونَ في ذلِكَ قَتلَهُ وسَفكَ دَمِهِ ، وهُوَ لَم يُشرِك بِاللّهِ شَيئا ، ولَا اتَّخَذَ مِن دونِهِ وَلِيّا ، ولَم يَتَغَيَّر عَمّا كانَ عَلَيهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَالخُلَفاءُ مِن بَعدِهِ ؟
فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : ما أقولُ فيهِم إلّا «أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَوةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى» ۱ «يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَـؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَـؤُلَاءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً» ۲ وعَلى مِثلِ هؤُلاءِ تَنزِلُ البَطشَةُ الكُبرى .
وأمّا أنتَ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَإِنَّكَ رَأسُ الفَخارِ بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَابنُ نَظيرَةِ البَتولِ ۳ ، فَلا تَظُنَّ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أنَّ اللّهَ غافِلٌ عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ ، وأنَا أشهَدُ أنَّ مَن رَغِبَ عَن مُجاوَرَتِكَ ، وطَمِعَ في مُحارَبَتِكَ ومُحارَبَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، فَما لَهُ مِن خَلاقٍ .
فَقالَ الحُسَينُ عليه السلام : اللّهُمَّ اشهَد ! فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ : جُعِلتُ فِداكَ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ ! كَأَنَّكَ تُريدُني إلى نَفسِكَ ، وتُريدُ مِنّي أن أنصُرَكَ ! وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلّا هُوَ ، أن لَو ضَرَبتُ بَينَ يَدَيكَ بِسَيفي هذا حَتّى انخَلَعَ جَميعا مِن كَفّي ، لَما كُنتُ مِمَّن اُوفي

1.التوبة : ۵۴ .

2.النساء : ۱۴۲ و ۱۴۳ .

3.المقصود هنا فاطمة عليهاالسلام ، والمقصود بالبتول مريم العذراء عليهاالسلام .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8375
صفحه از 458
پرینت  ارسال به