فَقالَ لَهُ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : أنتَ أولى بِالخُلودِ وَالحَميمِ ، إذ آثَرتَ طاعَةَ بَني سُفيانَ عَلى طاعَةِ الرَّسولِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله .
ثُمَّ قالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ ـ رَحِمَهُ اللّهُ ـ : وَيحَكُم يا أهلَ الكوفَةِ ! اِسقوني شُربَةً مِن ماءٍ . فَأَتاهُ غُلامٌ لِعَمرِو بنِ حُرَيثٍ الباهِلِيِّ بِقُلَّةٍ فيها ماءٌ ، وقَدَحٍ فيها ، فَناوَلَهُ القُلَّةَ ، فَكُلَّما أرادَ أن يَشرَبَ امتَلَأَ القَدَحُ دَما ، فَلَم يَقدِر أن يَشرَبَ مِن كَثرَةِ الدَّمِ ، وسَقَطَت ثَنِيَّتاهُ فِي القَدَحِ ، فَامتَنَعَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ ـ رَحِمَهُ اللّهُ ـ مِن شُربِ الماءِ .
قالَ : واُتِيَ بِهِ حَتّى اُدخِلَ عَلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ زِيادٍ. ۱
۱۲۲۳.البداية والنهاية :لَمَّا انتَهى مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ إلى بابِ القَصرِ ، إذا عَلى بابِهِ جَماعَةٌ مِنَ الاُمَراءِ مِن أبناءِ الصَّحابَةِ ، مِمَّن يَعرِفُهُم ويَعرِفونَهُ ، يَنتَظِرونَ أن يُؤذَنَ لَهُم عَلَى ابنِ زِيادٍ ، ومُسلِمٌ مُخَضَّبٌ بِالدِّماءِ في وَجهِهِ وثِيابِهِ ، وهُوَ مُثخَنٌ بِالجِراحِ ، وهُوَ في غايَةِ العَطَشِ ، وإذا قُلَّةٌ مِن ماءٍ بارِدٍ هُنالِكَ ، فَأَرادَ أن يَتَناوَلَها لِيَشرَبَ مِنها ، فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِن اُولئِكَ : وَاللّهِ لا تَشرَبُ مِنها حَتّى تَشرَبَ مِنَ الحَميمِ !
فَقالَ لَهُ : وَيلَكَ يَابنَ ناهِلَةَ ۲ ، أنتَ أولى بِالحَميمِ وَالخُلودِ في نارِ الجَحيمِ مِنّي . ثُمَّ جَلَسَ فَتَسانَدَ إلَى الحائِطِ مِنَ التَّعَبِ وَالكَلالِ وَالعَطَشِ ، فَبَعَثَ عُمارةُ بنُ عُقبَةَ بنِ أبي مُعَيطٍ مَولىً لَهُ إلى دارِهِ ، فَجاءَ بِقُلَّةٍ عَلَيها مِنديلٌ ومَعَهُ قَدَحٌ ، فَجَعَلَ يُفرِغُ لَهُ فِي القَدَحِ ويُعطيهِ فَيَشرَبُ ، فَلا يَستَطيعُ أن يُسيغَهُ مِن كَثرَةِ الدِّماءِ الَّتي تَعلو عَلَى الماءِ ، مَرَّتَينِ أو ثَلاثا ، فَلَمّا شَرِبَ سَقَطَت ثَناياهُ مَعَ الماءِ ، فَقالَ : اَلحَمدُ للّهِِ ، لَقَد كانَ بَقِيَ لي مِنَ الرِّزقِ المَقسومِ شُربَةُ ماءٍ. ۳
1.الفتوح : ج ۵ ص ۵۵ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۱۰ وفيه «لعمرو بن حريث المخزومي» .
2.هكذا في المصدر ، والظاهر : «يابن باهلة» كما مرّ في بعض النقول السابقة ، نسبة إلى قبيلة «باهلة» .
3.البداية والنهاية : ج ۸ ص ۱۵۶ .