119
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث

عَلَيَّ ، فَاستَحيَيتُ مِن رَدِّهِ ، ودَخَلَني مِن ذلِكَ ذِمامٌ ۱ ، فَأَدخَلتُهُ داري وضِفتُهُ وآوَيتُهُ ، وقَد كانَ مِن أمرِهِ الَّذي بَلَغَكَ ، فَإِن شِئتَ أعطَيتُ الآنَ مَوثِقا مُغَلَّظا ، وما تَطمَئِنُّ إلَيهِ ألّا أبغِيَكَ سوءا ، وإن شِئتَ أعطَيتُكَ رَهينَةً تَكونُ في يَدِكَ حَتّى آتِيَكَ ، وأنطَلِقُ إلَيهِ فَآمُرُهُ أن يَخرُجَ مِن داري إلى حَيثُ شاءَ مِنَ الأَرضِ ، فَأَخرُجُ مِن ذِمامِهِ وجِوارِهِ .
فَقالَ : لا وَاللّهِ ، لا تُفارِقُني أبَدا حَتّى تَأتِيَني بِهِ .
فَقالَ : لا وَاللّهِ لا أجيؤُكَ بِهِ أبَدا ، أنَا أجيؤُكَ بِضَيفي تَقتُلُهُ ؟ ! قالَ : وَاللّهِ لَتَأتِيَنّي بِهِ . قالَ : وَاللّهِ لا آتيك بِهِ .
فَلَمّا كَثُرَ الكَلامُ بَينَهُما ، قامَ مُسلِمُ بنُ عَمرٍو الباهِلِيُّ ، ولَيسَ بِالكوفَةِ شامِيٌّ ولا بَصرِيٌّ غَيرُهُ ، فَقالَ : أصلَحَ اللّهُ الأَميرَ ! خَلِّني وإيّاهُ حَتّى اُكَلِّمَهُ لَمّا رَأى لَجاجَتَهُ وتَأبّيهِ عَلَى ابنِ زِيادٍ أن يَدفَعَ إلَيهِ مُسلِما .
فَقالَ لِهانِئٍ : قُم إلى هاهُنا حَتّى اُكَلِّمَكَ ، فَقامَ ، فَخَلا بِهِ ناحِيَةً مِنِ ابنِ زِيادٍ ، وهُما مِنهُ عَلى ذلِكَ قَريبٌ حَيثُ يَراهُما ، إذا رَفَعا أصواتَهُما سَمِعَ ما يَقولانِ ، وإذا خَفَضا خَفِيَ عَلَيهِ ما يَقولانِ .
فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ : يا هانِئُ ! إنّي أنشُدُكَ اللّهَ أن تَقتُلَ نَفسَكَ ، وتُدخِلَ البَلاءَ عَلى قَومِكَ وعَشيرَتِكَ ، فَوَاللّهِ إنّي لَأَنفَسُ بِكَ عَنِ القَتلِ ـ وهُوَ يَرى أنَّ عَشيرَتَهُ سَتَحَرَّكُ في شَأنِهِ ـ إنَّ هذَا الرَّجُلَ ابنُ عَمِّ القَومِ ، ولَيسوا قاتِليهِ ولا ضائِريهِ ، فَادفَعهُ إلَيهِ ، فَإِنَّهُ لَيسَ عَلَيكَ بِذلِكَ مَخزاةٌ ولا مَنقَصَةٌ ، إنَّما تَدفَعُهُ إلَى السُّلطانِ .
قالَ : بَلى وَاللّهِ ، إنَّ عَلَيَّ في ذلِكَ لَلخِزيُ وَالعارُ ، أنَا أدفَعُ جاري وضَيفي ، وأنَا حَيٌّ صَحيحٌ أسمَعُ وأرى ، شَديدُ السّاعِدِ كَثيرُ الأَعوانِ ! وَاللّهِ لَو لَم أكُن إلّا واحِدا لَيسَ لي ناصِرٌ لَم أدفَعهُ حَتّى أموتَ دونَهُ . فَأَخَذَ يُناشِدُهُ وهُوَ يَقولُ : وَاللّهِ لا أدفَعُهُ

1.الذِّمّةُ والذِّمامُ : وهما بمعنى العهد والأمان والضمان والحُرمة والحقّ (النهاية : ج ۲ ص ۱۶۸ «ذمم») .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
118

أحَسَّت بِبَعضِ الَّذي كانَ ، فَقالَ لِحَسّانَ بنِ أسماءَ بنِ خارِجَةَ : يَابنَ أخي ، إنّي وَاللّهِ لِهذَا الرَّجُلِ لَخائِفٌ ، فَما تَرى ؟ قالَ : أي عَمُّ ، وَاللّهِ ما أتَخَوَّفُ عَلَيكَ شَيئا ، ولِمَ تَجعَلُ عَلى نَفسِكَ سَبيلاً وأنتَ بَريءٌ ؟
وزَعَموا أنَّ أسماءَ لَم يَعلَم في أيِّ شَيءٍ بَعَثَ إلَيهِ عُبَيدُ اللّهِ ، فَأَمّا مُحَمَّدٌ فَقَد عَلِمَ بِهِ ، فَدَخَلَ القَومُ عَلَى ابنِ زِيادٍ ودَخَلَ مَعَهُم ، فَلَمّا طَلَعَ قالَ عُبَيدُ اللّهِ : أتَتكَ بِحائِنٍ ۱ رِجلاهُ ! وقَد عَرَّسَ عُبَيدُ اللّهِ إذ ذاكَ بِاُمِّ نافِعٍ ابنَةِ عَمارَةَ بنِ عُقبَةَ ، فَلَمّا دَنا مِنِ ابنِ زِيادٍ ـ وعِندَهُ شُرَيحٌ القاضي ـ التَفَتَ نَحوَهُ فَقالَ :

اُريدُ حَباءَهُ ويُريدُ قَتليعُذَيرُكَ مِن خَليلِكَ مِن مُرادِ
وقَد كانَ لَهُ أوَّلَ ما قَدِمَ مُكرِما مُلطِفا ، فَقالَ لَهُ هانِئٌ : وما ذاكَ أيُّهَا الأَميرُ ؟
قالَ : إيهِ يا هانِئَ بنَ عُروَةَ ، ما هذِهِ الاُمورُ الَّتي تَرَبَّصُ في دورِكَ لِأَميرِ المُؤمِنينَ ، وعامَّةِ المُسلِمينَ ؟ جِئتَ بِمُسلِمِ بنِ عَقيلٍ فَأَدخَلتَهُ دارَكَ ، وجَمَعتَ لَهُ السِّلاحَ وَالرِّجالَ فِي الدّورِ حَولَكَ ، وظَنَنتَ أنَّ ذلِكَ يَخفى عَلَيَّ لَكَ !
قالَ : ما فَعَلتُ ، وما مُسلِمٌ عِندي ، قالَ : بَلى قَد فَعَلتَ ، قالَ : ما فَعَلتُ ، قالَ : بَلى .
فَلَمّا كَثُرَ ذلِكَ بَينَهُما ، وأبى هانِئٌ إلّا مُجاحَدَتَهُ ومُناكَرَتَهُ ، دَعَا ابنُ زِيادٍ مَعقِلاً ذلِكَ العَينَ ، فَجاءَ حَتّى وَقَفَ بَينَ يَدَيهِ ، فَقالَ : أتَعرِفُ هذا ؟ قالَ : نَعَم .
وعَلِمَ هانِئٌ عِندَ ذلِكَ أنَّهُ كانَ عَينا عَلَيهِم ، وأنَّهُ قَد أتاهُ بِأَخبارِهِم ، فَسُقِطَ في خَلَدِهِ ۲ ساعَةً ، ثُمَّ إنَّ نَفسَهُ راجَعَتهُ فَقالَ لَهُ :
اِسمَع مِنّي وصَدِّق مَقالَتي ، فَوَاللّهِ لا أكذِبُكَ ، وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ غَيرُهُ ، ما دَعَوتُهُ إلى مَنزِلي ، ولا عَلِمتُ بِشَيءٍ مِن أمرِهِ ، حَتّى رَأَيتُهُ جالِسا عَلى بابي ، فَسَأَلَنِي النُّزولَ

1.الحَائِنُ : الأحمق (تاج العروس : ج ۱۸ ص ۱۷۰ «حين») .

2.الخَلَد : البال والقلب والنفس (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۲۹۱ «خلد») .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ - المجلّد الثّالث
    سایر پدیدآورندگان :
    سيد محمود الطباطبائي نژاد، السيّد روح الله السيّد طبائي
    تعداد جلد :
    9
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8472
صفحه از 458
پرینت  ارسال به