29
الخير و البركة في الكتاب و السنّة

لأنّهما لا يحيطان بجميع المصالح والمفاسد، بل أكثر من ذلك، فقد يظنّ الإنسان أنّ أمرا ما هو «خير» نتيجة اُلفته به، كما قد يحسب أنّ أمرا آخر هو «شرّ» لغياب الآصرة التي تربطه به، والحقيقة غير ذلك. لهذا يحذّر القرآن من هذه الحالة بقوله:

«وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَئْا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَئْا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ».۱

كما قوله:

«فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَئْا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا».۲

بتعبير آخر: إنّ الإحساس المؤقّت الذي يساور الإنسان فيجعله يرتاح إلى شيء ويأنس به أو ينفر منه ولا يألفه، لا يعدّ بذاته مقياسا في أن يكون ذلك الشيء خيرا أو شرّا، بل يكمُن الملاك في الخير والشرّ والمعيار فيه من خلال دور ذلك الشيء في تحقيق الراحة الدائمة للإنسان وضمان سعادته على المدى البعيد. لذلك جاء عن الإمام عليّ عليه‏السلام قوله:

۰.«ما شَرٌّ بِشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ، وما خَيرٌ بِخَيرٍ بَعدَهُ النّارُ، وكُلُّ نَعيمٍ دونَ الجَنَّةِ مَحقورٌ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النّارِ عافِيَةٌ».۳

على هذا الأساس، يحتاج العقل والفطرة إلى الوحي ؛ بغية تشخيصهما الخير والشرّ على نحو تام وفي جميع الموارد. فالوحي ـ بوصفه مبدأ يحيط بجميع المصالح والمفاسد ـ بمقدوره أن يعرض أكمل برنامج حياتي ينهض بتأمين السعادة الدائمة للإنسان. يقول الإمام عليّ عليه‏السلام في هذا المضمار:

1.. البقرة : ۲۱۶ .

2.. النساء : ۱۹ .

3.. راجع : ح ۲۲ .


الخير و البركة في الكتاب و السنّة
28

بِحَسَنٍ، ولَم يَنهَكَ إلاّ عَن قَبيحٍ».۱

الواجبات الدينيّة ما هي في الحقيقة إلاّ دعوة لتطبيق المكارم وتحقيق الخيرات، والمحرّمات الدينيّة ما هي في حقيقتها إلاّ زجر عن السيّئات والمآثم. من هذه الزاوية، يقول الإمام عليّ عليه‏السلام: «لَو لَم يَنْهَ اللّهُ عَن مَحارِمِهِ لَوَجَبَ أن يَجتَنِبَهَا العاقِلُ».۲

على هذا الأساس، يتبيّن أنّ لمحكمة الوجدان القدرة على الفصل في بعض المواضع بصحّة الأحاديث الدائرة حيال الضوابط الإسلاميّة أو زيفها، ومدى صحّة انتسابها إلى النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أو إلى أهل بيته، علاوة على أهليّتها في تشخيص الحَسن والقبيح، ودورها الأساسي في تمييز الخير والشرّ. مردّ ذلك أنّه لا يصدر عن اُولئك المكرّمين قطعا ما يتنافى مع منطق العقل والفطرة. ولذا جاء في الحديث عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قوله:

۰.«إذا سَمِعتُمُ الحَديثَ عَنّي تَعرِفُهُ قُلوبُكُم وتَلينُ لَهُ أشعارُكُم وأبشارُكُم، وتَرَونَ أنَّهُ مِنكُم قَريبٌ فَأَنَا أولاكُم بِهِ، وإذا سَمِعتُمُ الحَديثَ عَنّي تُنكِرُهُ قُلُوبُكُم وتَنفِرُ مِنهُ أشعارُكُم وأبشارُكُم، وتَرَونَ أنَّهُ بَعيدٌ عَنكُم فَأَنَا أبعَدُكُم مِنهُ».۳

حاجة العقل والفطرة إلى الوحي

ثمّ نقطة على غاية قصوى من الأهمية وتستحقّ الكثير من الدقّة، تتمثّل في أنّ العقل والفطرة غير قادرين على تشخيص موارد الخير والشرّ ومصاديقهما كافّة ؛

1.. نهج البلاغة : الكتاب ۳۱ .

2.. غرر الحكم : ح ۷۵۹۵ .

3.. مسند أحمد : ۹ / ۱۵۴ / ۲۳۶۶۷ و ۵ / ۴۳۴ / ۱۶۰۵۸ ، كما رُوي مثلهما عن أبي حميد وأبي سعيد ؛كنز العمّال : ۱ / ۱۷۸ / ۹۰۲ .

  • نام منبع :
    الخير و البركة في الكتاب و السنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد التقديري
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2644
صفحه از 360
پرینت  ارسال به