هذه الهداية، هي هداية الفطرة التي عبّر عنها القرآن في آية اُخرى ب «الإلهام» حيث قوله سبحانه:
«وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّلهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَلهَا».۱
إنّ إلهام التقوى هو تعبير عن الهداية الفطرية نفسها الدالّة على معرفة طريق الخير، كما أنّ إلهام الفجور هو بنفسه تعبير عن معرفة الشرّ. فاللّه سبحانه خلق الإنسان على نحو يستطيع معه أن يميّز الخير والشرّ، والتقوى والفجور، ومن ثَمَّ ما من إنسان إلاّ وهو يعرف أنّ العدل حَسن وخير، وأنّ الظلم قبيح وشرّ ؛ وأنّ الإحسان إلى الآخرين خير، والعدوان على حقوق الناس شرّ.
لو سُلب الإنسان هذه المعرفة وخلّي بينه وبين هذا الوعي، لكان ذلك ـ في الواقع ـ سلبا لإنسانيّته، بحيث يغدو بمنزلة البهيمة لا فرق بينه وبين سائر الحيوانات. من هذا المنطلق جاء عن الإمام عليّ عليهالسلام قوله:
۰.«مَن لَم يَعرِفِ الخَيرَ مِنَ الشَّرِّ فَهُوَ بِمَنزِلَةِ البَهيمَةِ».۲
الدعوة إلى مطلق الخير والمعروف
استنادا إلى فطرية الخير وبداهة معاني المعروف والبرّ والإحسان، تبنّى القرآن الكريم دعوة الناس إلى هذه المعاني على نحو مطلق ومن دون أي قيد أو شرط:
«وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».۳