185
الخير و البركة في الكتاب و السنّة

عن الرعي وتربية الحيوانات، والزراعة، والتجارة، والعمل باعتبارها رصيدا للبركة، وعناصر في تحقّق الخير ونموّه وازدهاره. والمعنى الذي يبرز من ثنايا هذا التجاور والجمع بين المعنوي والمادّي في إطار مركّب واحد ؛ أنّ الإيمان بتأثير المعنويّات في الخير والبركة والازدهار المادّي لا يعني في الرؤية الكونية الإسلاميّة نفي الأسباب والعلل المادّية أو التقليل من أهمّيتها في تحقيق التنمية، بل يعني أنّ الإسلام يؤمن ـ بالإضافة إلى الأسباب والشروط والعناصر المادّية المعروفة في التنمية ـ بعوامل اُخرى غير مرئية يعتقد أنّ لها أثرها في هذا المسار. فالإسلام يؤمن بأنّ للمعتقدات الدينيّة الصحيحة والأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة دورها أيضا في تحقيق الازدهار والنموّ الاقتصادي للمجتمع.

فالقرآن الكريم يسجّل صراحةً:

«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَْرْضِ».۱

كما يسجّل في آية اُخرى أيضا:

«فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُو كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَ يُمْدِدْكُم بِأَمْوَ لٍ وَ بَنِينَ وَ يَجْعَل لَّكُمْ جَنَّتٍ وَ يَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَرًا».۲

علاوة على مرّ، فإنّ عملية الازدهار والتنمية المستديمة للمجتمع الإنساني تقترن بدورها بالقيم الاعتقادية والأخلاقية والعملية، ومن دون هذا الاقتران لن تدوم البركات المادّية أيضا.۳

1.. الأعراف : ۹۶ .

2.. نوح : ۱۰ ـ ۱۲ .

3.. لمعرفة المزيد عن موانع البَرَكة وآفات التنمية والازدهار ، راجع : الفصل الثالث من القسم الثاني من هذاالكتاب ؛ وأيضا : الفصل الخامس من كتاب «التنمية الاقتصادية في الكتاب والسنّة» .


الخير و البركة في الكتاب و السنّة
184

ملاحظة عامّة للقسم الثاني من هذه المجموعة تُومئ إلى المدى الذي بلغه استعمال لفظ البركة في القرآن والحديث، والمجالِ الذي امتدّ إليه هذا الاستعمال على مختلف الصعُد والأبعاد ؛ من هنا تبرز الأهميّة الاستثنائية الفائقة التي تحظى بها عملية دراسة هذه النصوص وتحليلها.

مبدأ جميع البركات

تمّ التركيز في الفصل الأوّل من هذا القسم على أنّ اللّه‏ سبحانه هو مبدأ جميع الخيرات والبركات في نظام التكوين، وأنّه ما من مخلوق إلاّ وهو يحظى من البركات الإلهية على قدْر استعداده وسعته الوجودية، سواء عَلِم بذلك أم لم يعلم، وسواء أراد أم لم يُرد.

علل البركة وأسبابها

يعدّ الفصل الثاني أوسع فصول هذا القسم، ومن ثمّ فقد استوعب أكبر عدد من الآيات والأحاديث التي تدور حول البركة. وقد تناول هذا الفصل العلل المادّية والمعنوية ل «البركة» ولتداوم «الخَير» ونموّه وتراكمه في مختلف الأبعاد والمجالات، حيث برزت على هذا الصعيد مجموعة من النقاط التي تستحقّ التأمّل، هي:

تجاور العلل المادّية والعوامل المعنويّة

إنّ النقطة الاُولى التي تلفت النظر في بحث أسباب البركة ودواعيها من منظور الرؤية القرآنيّة والحديثيّة ؛ هي التجاور الذي يبرز في النصوص الإسلاميّة بين العوامل المعنويّة للبركة، والأسبابِ والعلل المادّية لها. فمن جهة تتحدّث هذه النصوص عن التقوى، والعبادة، والطهارة، والدعاء، والصلاة، والحج، والاستغفار، وأمثال ذلك بوصفها مبادئ للبركة والنموّ في الحياة، ومن جهة اُخرى تراها تُعلن

  • نام منبع :
    الخير و البركة في الكتاب و السنّة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد التقديري
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1381
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 2405
صفحه از 360
پرینت  ارسال به