اللّهِ أنَّ المُتَّقينَ ذَهَبوا بِعاجِلِ الدُّنيا وآجِلِ الآخِرَةِ ؛ فَشارَكوا أهلَ الدُّنيا في دُنياهُم، ولَم يُشارِكوا أهلَ الدُّنيا في آخِرَتِهِم. سَكَنُوا الدُّنيا بِأَفضَلِ ما سُكِنَت، وأكَلوها بِأَفضَلِ ما اُكِلَت ؛ فَحَظوا مِنَ الدُّنيا بِما حَظِيَ بِهِ المُترَفونَ، وأخَذوا مِنها ما أخَذَهُ الجَبابِرَةُ المُتَكَبِّرونَ، ثُمَّ انقَلَبوا عَنها بِالزّادِ المُبَلِّغِ وَالمَتجَرِ الرّابِحِ. أصابوا لَذَّةَ زُهدِ الدُّنيا في دُنياهُم، وتَيَقَّنوا أنَّهُم جيرانُ اللّهِ غَدا في آخِرَتِهِم. لا تُرَدُّ لَهُم دَعوَةٌ، ولا يَنقُصُ لَهُم نَصيبٌ مِن لَذَّةٍ.۱
۵۵۲.عنه عليهالسلام ـ في عَهدِهِ إلى مُحَمَّدِ بنِ أبي بَكرٍ لَمّا وَلاّهُ مِصرَ ـ: عَلَيكُم بِتَقوَى اللّهِ عز و جل فَإِنَّها تَجمَعُ مِنَ الخَيرِ ما لا يَجمَعُ غَيرُها، ويُدرَكُ بِها مِنَ الخَيرِ ما لا يُدرَكُ بِغَيرِها مِن خَيرِ الدُّنيا وخَيرِ الآخِرَةِ.
قالَ اللّهُ عز و جل: «وَ قِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَآ أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَ لَدَارُ الْأَخِرَةِ خَيْرٌ وَ لَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ».۲ اِعلَموا يا عِبادَ اللّهِ أنَّ المُؤمِنَ يَعمَلُ لِثَلاثٍ مِنَ الثَّوابِ:
إمّا لِخَيرِ (الدُّنيا) فَإِنَّ اللّهَ يُثيبُهُ بِعَمَلِهِ في دُنياهُ، قالَ اللّهُ سُبحانَهُ لاِءِبراهيمَ: «وَ ءَاتَيْنَهُ أَجْرَهُو فِى الدُّنْيَا وَ إِنَّهُو فِى الْأَخِرَةِ لَمِنَ الصَّلِحِينَ»۳. فَمَن عَمِلَ لِلّهِ تَعالى أعطاهُ أجرَهُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ، وكَفاهُ المُهِمَّ فيهِما، وقَد قالَ اللّهُ عز و جل: «يَعِبَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللَّهِ وَ سِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّبِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ»۴، فَما أعطاهُمُ اللّهُ فِي الدُّنيا لَم يُحاسِبهُم بِهِ فِي الآخِرَةِ، قالَ اللّهُ عز و جل: «لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى