آمنه معاوية مكرها بعد استشهاد أمير المؤمنين عليه السلام وصلح الإمام الحسن عليه السلام ^۱ ، فاستثمر صعصعة هذه الفرصة ضدّ معاوية . وكان معاوية دائم الامتعاض من بيان صعصعة الفصيح المعبّر وتعابيره الجميلة في وصف فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، ولم يخفِ هذا الامتعاض . ^۲
إنّ ما ذكرناه بحقّ هذا الرجل غيض من فيض . وكفى في عظمته قول الإمام الصادق عليه السلام : ما كان مع أمير المؤمنين عليه السلام من يعرف حقّه إلّا صعصعة وأصحابه . ^۳
توفّي صعصعة أيّام حكومة معاوية . ^۴

۱۸

عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ

عبد اللّه بن عبّاس بن عبد المطلب أبو العبّاس القرشي الهاشمي ، من المفسّرين والمحدّثين المشهورين في التاريخ الإسلامي ^۵
. وُلِدَ بمكّة في الشِّعب قبل الهجرة بثلاث سنين ^۶ . وذهب إلى المدينة سنة ۸ ه ، عام الفتح ^۷ . كان عمر يستشيره في أيّام خلافته ^۸ . وعندما ثار النّاس على عثمان ، كان مندوبه في الحجّ ^۹ . ولمّا آلت الخلافة

على عثمان ، واتّفقوا على خلافة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام قام هذا الرجل الَّذي كان عميق الفكر ، قليل المثيل في معرفة عظمة عليٍّ عليه السلام ـ وكان خطيبا مصقعا ـ فعبّر عن اعتقاده الصريح الرائع بإمامه ، وخاطبه قائلاً :
«واللّه يا أمير المؤمنين ! لقد زيّنت الخلافة وما زانتك ، ورفعتها وما رفعتك ، ولهي إليك أحوج منك إليها» .
وعندما أشعل موقدو الفتنة فتيل الحرب على أمير المؤمنين عليه السلام في الجمل ، كان إلى جانب الإمام ، وبعد أن استشهد أخواه زيد وسيحان اللذان كانا من أصحاب الألوية ، رفع لواءهما وواصل القتال ^۱ . وفي حرب صفّين ، هو رسول الإمام عليه السلام إلى معاوية ^۲ ومن اُمراء الجيش ^۳ وراوي وقائع صفّين . ^۴
وقف إلى جانب الإمام عليه السلام في حرب النّهروان ، واحتجّ على الخوارج بأحقّيّة إمامه وثباته ^۵ . وجعله الإمام عليه السلام شاهدا على وصيّته ^۶ ، فسجّل بذلك فخرا عظيما لهذا الرجل . ونطق صعصعة بفضائل الإمام ومناقبه أمام معاوية وأجلاف بني اُميّة مرارا ، وكان يُنشد ملحمة عظمته أمام عيونهم المحملقة ، ويكشف عن قبائح معاوية ومثالبه بلا وجل . ^۷
وكم أراد منه معاوية أن يطعن في عليّ عليه السلام ، لكنّه لم يلقَ إلّا الخزي والفضيحة ، إذ جوبه بخطبه البليغة الأخّاذة . ^۸