الحال فتقول: لا أغُرَّنَّكم كما غَرَرتُ آباءَكم و أسلافكم ؛ فلقد استَدرجتُهم بالتسويف من الربيع إلى الخريف حتّى أحلَلتُهم القبورَ غيرَ مستَعِدِّين لها و لا متأهِّبين لضِيقها، فباللّه عليك أيّها الأخ، و إيّاي أنصَحُ قَبْلَك، أن تَعتبر بهذه الرحى الطَّحونِ الّتي لا يُتوقَّع انتقالُها و لا يُرفَع۱ ثِفالها۲.
و روي أنّ المأمونَ لمّا احتُضِرَ تَمَثَّلَ بقول الشاعر:
الآن يا دنيا عَرفتُكِ فاذهَبي
يا دارَ كُلِّ تَشَتُّتٍ و زَوالِ۳
و روي أنّ ذلك المَلِك الجبّار عَضُدَ الدولة لمّا احتُضر سُمِعَ يَقرأ قولَه تعالى: «مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِي * هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ»۴! و تُنسَب إليه۵ قِطعةٌ قافيةٌ معروفةٌ أوّلُها:
تَمتَّعْ من الدنيا فإنّك لا تبقى و الصحيح أنّها لغيره.۶
و روي: أنّ بعض الخلفاء كانت العلّةُ قد اشتدَّت به و انتهى أمرُه، فاقتَرحَ۷ أن يُحمَل إلى الشطّ تبرُّما بالعلّة عسى أن يَتفرّج ساعةً، فنظر إلى المدّادين يمُدّون۸ المراكبَ مِن
1.. «ب» : يرقع .
2.. «ألف» : أثقالها .
و الثِّفال : ما وقيت به الرحى من الأرض . انظر : لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۸۵ ثفل .
3.. شرح مقامات الحريري ، ج ۳ ، ص ۲۳۳ ؛ الوزراء و الكتّاب للجهشياري ، ص ۱۵۹ مع اختلاف يسير ، نسب إلى يحيىبن خالد أو إلى أبي العتاهية .
4.. الحاقّة ۶۹ : ۲۸ و ۲۹ .
5.. نسبت إليه في أحسن التقاسيم ، ص ۴۵۰ .
6.. روي أنّه قالها المعتضد باللّه عند موته ، و بعدها : [و خُذ صَفوَها ما إن صَفَتْ و دَعِ الرَّنْقا] راجع : تاريخ مدينة دمشق ،ج ۷۱ ، ص ۲۱۰ ؛ الكامل لابن الأثير ، ج ۷ ، ص ۵۱۴ و ج ۹ ، ص ۱۸ ؛ البداية و النهاية ، ج ۱۱ ، ص ۱۰۶ .
7.. الاقتراح : ارتجال الكلام ، و الاقتراح : ابتداع الشيء تبتدعه و تقترحه من ذات نفسك من غير أن تسمعه . و اقتَرح عليه بكذا : تَحَكَّم و سأل من غير رويَّة ، و اقترحه : اختاره . انظر : لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۵۵۸ قرح .
8.. «ألف» : يمدّدون .