275
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني

و قال أبو عثمان الجاحظ: إنّما أراد عليه‏السلام مُدّاحَ السِّلَعِ و التاجرين لا مُدّاحَ الشعراء ؛ لأنّه مَنهيٌّ أن يَمدح الرجُلُ سِلعتَه عند البيع، و يَذُمَّه عند الشِّرى۱.۲

و قال صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: إيّاكم و المدح ؛ فإنّه الذبح.۳

و فائدة الحديث: الأمر بالامتناع مِن سَماع المدح المُفرِط المتزيَّد فيه.

و راوي الحديث: المقداد بن الأسود رضى‏الله‏عنه.

۴۶۴.قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: أَحسِنُوا إِذَا وَلِيتُم، وَ اعْفُوا عَمَّا مَلَكتُم.۴

يقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: إذا وَلِيتم وِلايةً فأحسِنوا إلى الرعيّة بدفع الظُّلْم و العَسْف۵ عنهم، و إرشادِهم إلى مَصالحهم، و رَدِّهم عن مَفاسدهم، و الرفقِ بهم و المداراة لهم و استمالة قلوبِهم ؛ و إذا مَلَكتم فاعفوا عن زَلاّتهم، و ارفُقوا بهم، و لا تؤاخذوهم بكلّ صغير و كبير، و أحسِنوا آدابَهم، و هَذِّبوهم رحمةً بهم و شَفَقَةً عليهم.

و قوله عليه‏السلام: «عمّا مَلَكتم» إنّما عَبّر عنهم ب«ما» ؛ لأنّه أوّل درجات المعلوم، فإذا علمتَ أنّه من العقلاء جَعلتَ العبارةَ عنه بمَن، هذا هو الأكثر، و ربّما يُستعمَل ما في موضع من، قال تعالى: «وَ السَّمَاءِ وَ مَا بَنَاهَا * وَ الْأَرْضِ وَ مَا طَحَاهَا»۶ هذا إذا لم تَجعَل «ما» في الكلمتين مصدريّةً.

و قد قال عليه‏السلام: أحسَنُ العفو ما كان عن قدرة، و أحسنُ الجود ما كان عن عسرة.۷

1.. الشِّرى يكون بيعا و اشتراءً . انظر : لسان العرب ، ج ۱۴ ، ص ۴۲۹ شري .

2.. لم نعثر على قوله .

3.. مسند أحمد ، ج ۴ ، ص ۹۲ و ۹۹ ؛ مسند الشهاب ، ج ۲ ، ص ۹۴ ، ح ۹۵۳ و ۹۵۴ ؛ كنز العمّال ، ج ۳ ، ص ۶۵۱ ، ح ۸۳۳۱ .

4.. مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۴۱۳ ، ح ۷۱۲ ؛ الجامع الصغير ، ج ۱ ، ص ۴۳ ، ح ۲۵۴ ؛ كنز العمّال ، ج ۶ ، ص ۶ ، ح ۱۴۵۹۰ ؛فيض القدير ، ج ۱ ، ص ۲۴۷ ، ح ۲۵۴ .

5.. العَسْف : الظلم ، و السير بغير هداية ، و الأخذ على غير الطريق ، و ركوب الأمر بلا تدبير و لا رويَّة ، و عَسَفَ فلانٌ فلانا عَسْفا : ظَلَمه ، و أصل العسف أن يأخذ المسافر على غير طريق و لا جادّة و لا عَلَمٍ فنقل إلى الظلم و الجور . انظر : لسان العرب ، ج ۹ ، ص ۲۴۶ عسف .

6.. الشمس ۹۱ : ۵ و ۶ .

7.. عيون الحكم و المواعظ ، ص ۱۱۲ .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
274

و يَتكذّبُ له لِيَنالَ منه منفوعا ؛ أي: لا تَغتَرّوا بكلامهم ؛ فإنّ كُلاًّ منكم أعرَفُ بنفسه مِن المادح له، و ما أضَرَّ إطراءَ المُطرين۱ و تزكيةَ المزكّين بالإنسان، و لذلك قال أمير المؤمنين عليه‏السلام للّذي زكّاه في وجهه نفاقا: أنا دونَ ما تقول، و فوقَ ما في نفسك.۲

و سَمِعَ بعضُ الأكابر رجلاً يَمدح غيرَه في وجهه فقال: مه ؛ فقدْ أهلكته!

فإن قيل: إنّ رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله كان يُمدَح بالشِّعر، فكان يَسمَعه و يَصِلُ الشاعرَ؟

فالجواب: أنّه لَعَمري صحيح ؛ و لكن مَدْحَه كان كلّه صدقا يُثاب الشاعرُ عليه، و مِن أين يكونُ الممدوحُ مِثلَه ـ لَيت شعري ـ جامعا لكلّ ما يُمدَح به، /۲۸۸/ زائدا مَناقبُه على الأوصاف، و مع ذلك فقد قال: لا تُفضِّلوني على يونسَ بن مَتَّى.۳

و روي عنه عليه‏السلام أنّه قال لرجُل مَدَحَ غيرَه بحضرته عليه‏السلام: ويلَك۴ ؛ قَطَعتَ عُنُقَ صاحبِك مِرارا! فإذا كان أحدُكم مادحا صاحبَه لا محالةَ فليَقُلْ: أحسِبُ فلانا، و اللّه‏ُ حسيبُه، و لا اُزكّي على اللّه‏ أحدا ؛ فأمّا مدحُ الرجُلِ المؤمنِ بما فيه فجائز، و الثواب عليه حلال.۵

و روي: أنّ رجلاً كان يُثني على عثمان بن عفّان، فجَعَلَ المقدادُ رضى‏الله‏عنه يَحثو على وجهه الترابَ، فقال عثمان: ما شأنك؟! فقال: أمّا أنا فلا أدَعُ شيئا سَمِعتُه من رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يقول: /۳۱۰/ اُحثوا في وجوه المدّاحين التراب.۶

و قوله عليه‏السلام: «المدّاحين» بناء المبالغة، و المبالغ لا بدّ أن يَتزيّد.

و مَدَحَ رجُلٌ الزُّهْريَّ فأعطاه قميصَه، فقيل له: أ تُعطي على كلام الشيطان؟! فقال: إنّما أبتغي الخيرَ، و أنفي الشرّ.۷

1.. أطرَأَ القومَ : مَدَحَهم . لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۱۱۴ طرأ .

2.. نهج البلاغة ، الحكمة ۸۳ .

3.. فتح الباري ، ج ۶ ، ص ۲۹۵ ؛ عمدة القاري ، ج ۸ ، ص ۵۹ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۱۱ ، ص ۶۶ .

4.. «ب» : ـ ويلك .

5.. مسند أحمد ، ج ۵ ، ص ۴۱ ؛ صحيح البخاري ، ج ۳ ، ص ۱۵۸ ؛ و ج ۷ ، ص ۸۷ ؛ صحيح مسلم ، ج ۸ ، ص ۲۲۷ .

6.. المعجم الكبير ، ج ۲۰ ، ص ۲۳۹ ؛ مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۴۱۳ ، ح ۷۱۱ .

7.. تاريخ مدنية دمشق ، ج ۵۵ ، ص ۳۸۰ ؛ البداية والنهاية ، ج ۹ ، ص ۳۸۰ .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الثّاني
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5171
صفحه از 488
پرینت  ارسال به