و يَتكذّبُ له لِيَنالَ منه منفوعا ؛ أي: لا تَغتَرّوا بكلامهم ؛ فإنّ كُلاًّ منكم أعرَفُ بنفسه مِن المادح له، و ما أضَرَّ إطراءَ المُطرين۱ و تزكيةَ المزكّين بالإنسان، و لذلك قال أمير المؤمنين عليهالسلام للّذي زكّاه في وجهه نفاقا: أنا دونَ ما تقول، و فوقَ ما في نفسك.۲
و سَمِعَ بعضُ الأكابر رجلاً يَمدح غيرَه في وجهه فقال: مه ؛ فقدْ أهلكته!
فإن قيل: إنّ رسول اللّه صلىاللهعليهوآله كان يُمدَح بالشِّعر، فكان يَسمَعه و يَصِلُ الشاعرَ؟
فالجواب: أنّه لَعَمري صحيح ؛ و لكن مَدْحَه كان كلّه صدقا يُثاب الشاعرُ عليه، و مِن أين يكونُ الممدوحُ مِثلَه ـ لَيت شعري ـ جامعا لكلّ ما يُمدَح به، /۲۸۸/ زائدا مَناقبُه على الأوصاف، و مع ذلك فقد قال: لا تُفضِّلوني على يونسَ بن مَتَّى.۳
و روي عنه عليهالسلام أنّه قال لرجُل مَدَحَ غيرَه بحضرته عليهالسلام: ويلَك۴ ؛ قَطَعتَ عُنُقَ صاحبِك مِرارا! فإذا كان أحدُكم مادحا صاحبَه لا محالةَ فليَقُلْ: أحسِبُ فلانا، و اللّهُ حسيبُه، و لا اُزكّي على اللّه أحدا ؛ فأمّا مدحُ الرجُلِ المؤمنِ بما فيه فجائز، و الثواب عليه حلال.۵
و روي: أنّ رجلاً كان يُثني على عثمان بن عفّان، فجَعَلَ المقدادُ رضىاللهعنه يَحثو على وجهه الترابَ، فقال عثمان: ما شأنك؟! فقال: أمّا أنا فلا أدَعُ شيئا سَمِعتُه من رسول اللّه صلىاللهعليهوآله يقول: /۳۱۰/ اُحثوا في وجوه المدّاحين التراب.۶
و قوله عليهالسلام: «المدّاحين» بناء المبالغة، و المبالغ لا بدّ أن يَتزيّد.
و مَدَحَ رجُلٌ الزُّهْريَّ فأعطاه قميصَه، فقيل له: أ تُعطي على كلام الشيطان؟! فقال: إنّما أبتغي الخيرَ، و أنفي الشرّ.۷
1.. أطرَأَ القومَ : مَدَحَهم . لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۱۱۴ طرأ .
2.. نهج البلاغة ، الحكمة ۸۳ .
3.. فتح الباري ، ج ۶ ، ص ۲۹۵ ؛ عمدة القاري ، ج ۸ ، ص ۵۹ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۱۱ ، ص ۶۶ .
4.. «ب» : ـ ويلك .
5.. مسند أحمد ، ج ۵ ، ص ۴۱ ؛ صحيح البخاري ، ج ۳ ، ص ۱۵۸ ؛ و ج ۷ ، ص ۸۷ ؛ صحيح مسلم ، ج ۸ ، ص ۲۲۷ .
6.. المعجم الكبير ، ج ۲۰ ، ص ۲۳۹ ؛ مسند الشهاب ، ج ۱ ، ص ۴۱۳ ، ح ۷۱۱ .
7.. تاريخ مدنية دمشق ، ج ۵۵ ، ص ۳۸۰ ؛ البداية والنهاية ، ج ۹ ، ص ۳۸۰ .