459
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل

قالوا: رَجُلٌ يُحدِّث. قال: إنّ هذا رجُلٌ يقول: اعرِفوني؛ أنا فلانُ بنُ فلان! فسَلوه هل يَعرف الناسخَ من المنسوخ؟ فسألوه فقال: لا. فقال أمير المؤمنين عليه‏السلام: فلا تحدّث.۱

و في كلام للحسن البصريّ أنّه قال لهؤلاء: تَفَرَّقوا فَرَّقَ اللّه‏ُ بين أعضائكم و أصلابكم!۲

و نَظَرَ زينُ العابدين عليُّ بن الحسين عليهماالسلام إلى الحسن البصريّ و هو يَقُصُّ عند الحَجَر، فقال: يا حسن، أ تَرضى نَفْسَك للموت؟ قال: لا. قال: فعَمَلَك للحساب؟ قال: لا. قال: فثَمَّ دارٌ للعمل غير هذه؟ قال: لا. قال: فللّه تعالى في أرضه مَعاذ غير هذا البيت؟ قال: لا. قال۳: فلِمَ تَشغَلُ الناسَ۴ عن الطواف؟!۵

فيقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: إنّ۶ القاصّ يَنتظر المقتَ و البغض ؛ أي يَحصل على مقت الناس و سخط الربّ ؛ لأنّ غرضه التشادُق۷ و التفاصح۸ لا الخير ؛ ثُمَّ إنّه۹ يريد أن يَتَّسق نظامُ كلامه فيزيدُ و يَنقُص فيَكذب مِن حيث لا يدري، و ربّما تَعَمَّدَ ذلك قلَّةَ مبالاة و سخافة دين، ثمّ إنّه يُكثِر، و من كثُر كلامه كثر سَقَطُه، و مِن أين له الكثيرُ الصحيح، و من أصعب ما يَعرض في ذلك دعاؤه للظَّلَمة ؛ يَجلس مجلس رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، فينافق و يدعو لمن اللعنة إليه أقرب و السَّخَط به أولى، و لعلّ المدعوَّ له في بقايا خُماره أو لم يغسل وجهه بعد، و أكثر ما يُدعى لهؤلاء، فلو أَتى بوعظ الشرق و الغرب لما وقع في مقابلة دعائه لهم.

1.. نواسخ القرآن لابن الجوزي ، ص ۳۰ .

2.. لم نعثر عليه .

3.. «ألف» : ـ قال .

4.. «ألف» : فلِمَ تشتغل و عن الطواف فيقول الناس .

5.. الأمالي للسيّد المرتضى ، ج ۱ ، ص ۱۱۳ ؛ وفيات الأعيان ، ج ۲ ، ص ۷۰ ؛ إعلام الورى ، ج ۱ ، ص ۴۸۹ .

6.. «ألف» : ـ إنّ .

7.. تَشَدَّقَ : لَوى شِدْقَه للتفصّح ، و التشدُّق في الكلام أيضا : التوسّع فيه من غير احتياط و احتراز ، و قيل : المتشدّق : المستهزئ بالناس يلوىِ شِدقَه بهم وعليهم ، و هو المراد من قوله صلى‏الله‏عليه‏و‏آله : أبغضكم إليّ الثَّرثارون المتشدِّقون ، و الشِّدق : جانب الفم . انظر : النهاية في غريب الحديث ، ج ۲ ، ص ۴۵۳ ؛ القاموس المحيط ، ج ۳ ، ص ۳۳۷ شدق .

8.. التفاصُح : تكلُّف الفَصاحة . لسان العرب ، ج ۲ ، ص ۵۴۴ فصح .

9.. «ألف» : «فإنّه» بدل «ثمّ إنّه» .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
458

فيقول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: إنّ القاصَّ الّذي يَصدِف الناسَ عن أشغالهم بما يَحكيه من الحكايات، و يُضيف إليها من التَّزويقات۱، يَنتظر المقتَ و بُغضَ الخَلق و سَخَطَ الباري جلّت قدرته ؛ و ذلك لأنّ غرضه ليس الوعظ للّه‏ و في اللّه‏، و إنّما هو مهنجم۲ يَحبِس الناسَ على حلقته بما زَوَّقَ من كلامه، و ربّما يَكذب فيما يرويه، و إنّما غرضه الخِلابة۳ و خِداع الناس عن أموالهم، و المُراءاة حتّى يُفْسَح له في المجالس و يُبدأ بالسلام، و ذلك شيء لم يكن في عهد النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله و لا في عهد الصَّدْر الأوّل من أصحابه رضوان اللّه‏ عليهم، و إنّما ظهر في الفتنة.

و روي عن النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: أنّ بني إسرائيل لمّا قَصُّوا هَلَكوا.۴

و عنه عليه‏السلام: لا يَقُصُّ إلاّ أمير أو مأمور أو مُراءٍ.۵

و كان كعب الأحبار يقصّ، فلمّا سَمِع هذا الحديث ترك القَصَصَ.۶

و عنه عليه‏السلام: /۱۶۴/ يكون في آخر الزمان دَجّالون كذّابون يأتونكم من الأحاديث۷ بما لم تسمعوا أنتم و لا آباؤكم، فإيّاكم و إيّاهم أن يَفتِنوكم أو يُضِلّوكم و هم القُصّاص.۸ رواه أبو هريرة.

و روي: أنّ أمير المؤمنين عليه‏السلام دخل مسجد الكوفة فرأى قاصّا يَقُصُّ، فقال: من هذا؟

1.. زَوّقتُ الكلامَ و الكتابَ إذا حسَّنتَه و قوَّمته ، و المزوَّق : المزيَّن به ، ثمّ كَثُر حتّى سُمِّيَ كلّ مزيَّن بشيء مزوَّق . لسان العرب ، ج ۱۰ ، ص ۱۵۰ زوق .

2.. هكذا في المخطوطتين ، و لم نجد معناه ، و لا يبعد أن تكون الكلمة مصحَّفةَ عن «مُهتَجِم» مِن قولهم : اهتَجَمَ الضَّرعَ إذا حَلبَهَ ، و المراد معناه المجازيُّ ، و هو أنّه يَستدِرُّ ما عندهم مِن «الدراهم» بما يزوِّق مِن كلامه ، و ينمِّق مِن خُزَعبلاته ، كما يَستدرُّ الحالبُ ضَرعَ الناقة ، أو ما في معناها. عبد الستّار .

3.. الخِلابة : المخادَعَة . انظر : لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۳۶۳ خلب .

4.. فيض القدير ، ج ۲ ، ص ۵۶۳ ؛ النهاية في غريب الحديث ، ج ۴ ، ص ۷۱ ؛ لسان العرب ، ج ۷ ، ص ۷۵ .

5.. مسند أحمد ، ج ۲ ، ص ۱۷۸ و ۱۸۳ ؛ سنن ابن ماجة ، ج ۲ ، ص ۱۲۳۵ ، ح ۳۷۵۴ ؛ المعجم الأوسط ، ج ۴ ، ص ۳۴۳ .

6.. اُنظر : نظريّات الخليفتين للطائي ، ج ۲ ، ص ۳۰۷ .

7.. «ألف» : يأتونكم بالأحاديث .

8.. مسند أحمد ، ج ۲ ، ص ۳۴۹ ؛ صحيح مسلم ، ج ۱ ، ص ۹ ؛ كنز العمّال ، ج ۱۰ ، ص ۱۹۴ ، ح ۲۹۰۲۴ مع اختلاف يسير فياللفظ .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 3194
صفحه از 503
پرینت  ارسال به