279
ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل

و روي عن الحسن أنّه قال: إنّما خُلِّد/۸۱/ أهل الجنّة و أهل النار للنيّات.۱

و الكلام في هذا الحديث طويل الذيل، و قد روي هذا الحديث على هذا النسق: نيّة المؤمن خير من عمله.۲

فعلى هذا يحتمل معنى حسنا، و هو أن يكون «مِن» للتبعيض لا للمبالغة، و المعنى: نيّته خير من جملة أعمال الخير الّتي يؤثرها، و هو مُثاب على فعله ثوابا، و مُثاب على نيّته ثوابا ؛ لأنّ ذلك من أفعال القلوب، و هذا من أفعال الجوارح.

و روي أنّ۳ هذا الحديث مخصوص و هو: أنّ جسرا على باب المدينة انهدم، فنوى رجل من المسلمين أن يصلحه، فسبقه إلى إصلاحه يهوديٌّ، فاغتمّ المسلم لذلك، فقال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: نيّة المؤمن خير من عمله.۴ و الضمير لليهودي.

و وجدتُ لبعض المتأخّرين كتابا مكسورا على هذا الحديث قد ذَكر فيه ثلاثين وجها في معناه.

و فائدة الحديث: الحثّ على نيّة الخير و إرادته و العزم عليه.

و راوي الحديث على لفظ «أبلغ»: أنس بن مالك، /۸۰/ و على لفظ «خير»: النُّواس بن سِمعان الكلابيّ۵، قال: قال رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: نيّة المؤمن خير من عمله، و نيّة الفاجر شرٌّ من

1.. كتاب في الأخلاق والعرفان لمؤلف مجهول القرن ۶ ، ص ۲۳۲ استظهارا في هامشه أنّ قائله الحسن البصري؛ إحياءعلوم الدين ، ج ۲۷ ، ص ۱۵۹ ؛ إتحاف السادة المتقين ، ج ۱۳ ، ص ۲۱ و في كليهما أيضا عن الحسن البصري ؛ المحاسن ، ج ۲ ، ص ۳۳۱ ، ح ۹۴ ؛ علل الشرائع ، ج ۲ ، ص ۵۲۳ ، ح ۱ فيهما عن الإمام الصادق عليه‏السلام مع اختلاف في اللفظ .

2.. الكافي ، ج ۲ ، ص ۸۴ ، ح ۲ ؛ الهداية للصدوق ، ص ۶۲ .

3.. «ب» : ـ أنّ .

4.. ضياء الشهاب ، ص ۱۴۲ ؛ الدرّ المنثور من المأثور و غير المأثور ، ج ۱ ، ص ۳۵۷ .

5.. من أولاد أبي بكر بن كلاب ، و كان حَليفا للأنصار . عبد الستّار .


ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
278

و ربّه ـ تبارك و تعالى ـ /۷۹/ لا يَطّلع عليه غيره، و لا يمكن أن يشوبها الرياء و السمعة، بخلاف العمل ؛ فإنّه قد يقع مشوبا مخلوطا غير خالص للّه‏ تعالى، و إذا كان كذلك فالنيّة الخالصة أبلغ من العمل الّذي حاله هذه.

و قال بعضهم:۱ إنّ المؤمن ينوي أشياء من أبواب الخير كالصدقة و الصوم و الصلاة و غير ذلك، و لعلّه يعجز عنها و هو معقود النيّة عليها، فنيّته خير من عمله يعني العمل الّذي لم يوفَّق له. قال: و على هذا المعنى يروى عنه صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أنّه قال: «لن يدخل أحدكم الجنّة بعمله». قيل: و لا أنت يا رسول اللّه‏؟ قال: و لا أنا، إلاّ أن يتغمّدني اللّه‏ برحمته۲ ؛ أي إنّما يُستحقّ الخلود بالنيّة.

و قال عبد اللّه‏ بن مسلم المَروَزي۳: إنّ اللّه‏ ـ عزّ و جلّ ـ يُخَلِّد المؤمن في جنّته بنيّته لا بعمله، و لو جوزيَ بعمله لم يستوجب التخليد ؛ لأنّ عمله في سنين معدودة، و الجزاء يقع بمثلها و بأضعافها، و إنّما يخلّدُه اللّه‏ تعالى۴ بنيّته ؛ لأنّه كان ناويا أن يطيع اللّه‏ أبدا لو أبقاه أبدا، فلمّا اخترمته۵ المنيّة دون نيّته جزاه عليها. و كذلك الكافر نيَّتُه شرٌّ من عمله ؛ لأنّه كان ناويا أن يقيم على كفره أبدا، فلمّا اخترمته المنيّة دون نيّته جزاه عليها.۶

و كلام ابن قتيبة هذا مستخرج من كلام لأبي۷ عبد اللّه‏ جعفر بن محمّد الصادق عليهماالسلام و قد سئل عن مثل ذلك.۸

1.. في لئالي الأخبار ، ج ۴ ، ص ۲۰۸ نسبه إلى ابن دريد ؛ إتحاف السادة المتقين ، ج ۱۳ ، ص ۳۶ ، نسبه إلى ثابت البناني ؛ قوت القلوب ، ج ۲ ، ص ۲۷۲ ، نسبه إلى ثابت البناني أيضا .

2.. فتح الباري ، ج ۱ ، ص ۷۳ ؛ عمدة القاري ، ج ۱ ، ص ۱۸۴ ؛ كنز العمّال ، ج ۳ ، ص ۳۷ ، ح ۵۳۵۶ ؛ فيض القدير ، ج ۲ ، ص ۱۶۷ .

3.. هو عبد اللّه‏ بن مسلم بن قُتَيبةَ الدينوري العالم الأديب المشهور م ۲۷۶ هـ .
و قد سها الشيخ عبّاسٌ القُمّي في الكُنى و الألقاب إذ عَدَّه مِن أولاد قتيبة بن مسلم الباهليّ القائد المشهور ، و تبعه العلاّمةُ النسّابةُ السيّد عبد الرزّاق آل كمونة النجفيّ في كتابه : مُنيّة الراغبين مع أنَّ ابن قتيبة غير عربيّ الأصل ، و هو مُردَّد النسبة بين الكُرد و الفُرس . (عبد الستّار) .

4.. «ألف» : ـ تعالى .

5.. «ألف» : أخرمته .
اخترمهم الدهرُ و تَخَرَّمهم أي اقتطعهم و استأصلهم . و اخترمَتْه المنيّة من بين أصحابه : أخذته من بينهم . لسان العرب ، ج ۱۲ ، ص ۱۷۲ خرم .

6.. اُنظر : تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة ، ص ۱۴۰ .

7.. «ألف» : ـ لأبي .

8.. اُنظر : وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۵۶ ، ح ۱۱۴ ؛ أدب الضيافة للبياتي ، ص ۷۰ .

  • نام منبع :
    ضوء الشهاب في شرح الشِّهاب المجلّد الأوّل
    سایر پدیدآورندگان :
    تالیف: الإمام السید ضیاء الدین أبو الرضا فضل الله بن علیّ بن عبید الله الحسنی الراوندی؛ تحقیق: مهدي سليماني آشتياني
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1397
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 4144
صفحه از 503
پرینت  ارسال به