المُحدَثُ، الَّذي هُوَ عيسى ـ صارَ قَديما لِوُجودِ القَديمِ الَّذي هُوَ اللّهُ ؟ أو مَعنى قَولِكُم: إنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ، أنَّهُ اختَصَّهُ بِكَرامَةٍ لَم يُكرِم بِها أحَدا سِواهُ ؟
فَإِن أرَدتُم أنَّ القَديمَ صارَ مُحدَثا فَقَد أبطَلتُم، لِأَنَّ القَديمَ مُحالٌ أن يَنقَلِبَ فَيَصيرَ مُحدَثا، وإن أرَدتُم أنَّ المُحدَثَ صارَ قَديما فَقَد أحَلتُم، لِأَنَّ المُحدَثَ أيضا مُحالٌ أن يَصيرَ قَديما.
وإن أرَدتُم أنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ بِأَنَّهُ اختَصَّهُ وَاصطَفاهُ عَلى سائِرِ عِبادِهِ، فَقَد أقرَرتُم بِحُدوثِ عيسى، وبِحُدوثِ المَعنَى الَّذِي اتَّحَدَ بِهِ مِن أجلِهِ، لِأَ نَّهُ إذا كانَ عيسى مُحدَثا وكانَ اللّهُ اتَّحَدَ بِهِ ـ بِأَن أحدَثَ بِهِ مَعنًى صارَ بِهِ أكرَمَ الخَلقِ عِندَهُ ـ فَقَد صارَ عيسى وذلِكَ المَعنى مُحدَثَينِ، وهذا خِلافُ ما بَدَأتُم تَقولونَهُ.
قالَ: فَقالَتِ النَّصارى: يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللّهَ تَعالى لَمّا أظهَرَ عَلى يَدِ عيسى مِنَ الأَشياءِ العَجيبَةِ ما أظهَرَ، فَقَدِ اتَّخَذَهُ وَلَدا عَلى جِهَةِ الكَرامَةِ.
فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّهِ صلىاللهعليهوآله: فَقَد سَمِعتُم ما قُلتُهُ لِليَهودِ في هذَا المَعنَى الَّذي ذَكَرتُموهُ.
ثُمَّ أعادَ صلىاللهعليهوآله ذلِكَ كُلَّهُ، فَسَكَتوا إلاّ رَجُلاً واحِدا مِنهُم فَقالَ لَهُ: يا مُحَمَّدُ! أوَلَستُم تَقولونَ: إنَّ إبراهيمَ خَليلُ اللّهِ ؟
قالَ: قَد قُلنا ذلِكَ.