99
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

المُحدَثُ، الَّذي هُوَ عيسى ـ صارَ قَديما لِوُجودِ القَديمِ الَّذي هُوَ اللّه‏ُ ؟ أو مَعنى قَولِكُم: إنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ، أنَّهُ اختَصَّهُ بِكَرامَةٍ لَم يُكرِم بِها أحَدا سِواهُ ؟
فَإِن أرَدتُم أنَّ القَديمَ صارَ مُحدَثا فَقَد أبطَلتُم، لِأَنَّ القَديمَ مُحالٌ أن يَنقَلِبَ فَيَصيرَ مُحدَثا، وإن أرَدتُم أنَّ المُحدَثَ صارَ قَديما فَقَد أحَلتُم، لِأَنَّ المُحدَثَ أيضا مُحالٌ أن يَصيرَ قَديما.
وإن أرَدتُم أنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ بِأَنَّهُ اختَصَّهُ وَاصطَفاهُ عَلى سائِرِ عِبادِهِ، فَقَد أقرَرتُم بِحُدوثِ عيسى، وبِحُدوثِ المَعنَى الَّذِي اتَّحَدَ بِهِ مِن أجلِهِ، لِأَ نَّهُ إذا كانَ عيسى مُحدَثا وكانَ اللّه‏ُ اتَّحَدَ بِهِ ـ بِأَن أحدَثَ بِهِ مَعنًى صارَ بِهِ أكرَمَ الخَلقِ عِندَهُ ـ فَقَد صارَ عيسى وذلِكَ المَعنى مُحدَثَينِ، وهذا خِلافُ ما بَدَأتُم تَقولونَهُ.
قالَ: فَقالَتِ النَّصارى: يا مُحَمَّدُ، إنَّ اللّه‏َ تَعالى لَمّا أظهَرَ عَلى يَدِ عيسى مِنَ الأَشياءِ العَجيبَةِ ما أظهَرَ، فَقَدِ اتَّخَذَهُ وَلَدا عَلى جِهَةِ الكَرامَةِ.
فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: فَقَد سَمِعتُم ما قُلتُهُ لِليَهودِ في هذَا المَعنَى الَّذي ذَكَرتُموهُ.
ثُمَّ أعادَ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ذلِكَ كُلَّهُ، فَسَكَتوا إلاّ رَجُلاً واحِدا مِنهُم فَقالَ لَهُ: يا مُحَمَّدُ! أوَلَستُم تَقولونَ: إنَّ إبراهيمَ خَليلُ اللّه‏ِ ؟
قالَ: قَد قُلنا ذلِكَ.


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
98

احتَجَجتُم بِهِ يُؤَدّيكُم إلى ما هُوَ أكبَرُ مِمّا ذَكَرتُهُ لَكُم، لِأَنَّكُم قُلتُم: إنَّ عَظيما مِن عُظَمائِكُم قَد يَقولُ لِأَجنَبِيٍّ لا نَسَبَ بَينَهُ وبَينَهُ: «يا بُنَيَّ»، و «هذَا ابني»، لا عَلى طَريقِ الوِلادَةِ، فَقَد تَجِدونَ أيضا هذَا العَظيمَ يَقولُ لِأَجنَبِيٍّ آخَرَ: «هذا أخي» ولاِخَرَ: «هذا شَيخي» و«أبي» ولاِخَرَ: «هذا سَيِّدي» و «يا سَيِّدي»، عَلى سَبيلِ الإِكرامِ، وإنَّ مَن زادَهُ فِي الكَرامَةِ زادَهُ في مِثلِ هذَا القَولِ ؛ فَإِذا يَجوزُ عِندَكُم أن يَكونَ موسى أخا للّه‏ِِ، أو شَيخا لَهُ، أو أبا، أو سَيِّدا ؛ لِأَ نَّهُ قد زادَهُ فِي الإِكرامِ مِمّا لِعُزَيرٍ، كَما أنَّ مَن زادَ رَجُلاً فِي الإِكرامِ فَقالَ لَهُ: «يا سَيّدي» و «يا شَيخي» و «يا عَمّي» و «يا رَئيسي» [و «يا أميري»]، عَلى طَريقِ الإِكرامِ، وإنَّ مَن زادَهُ فِي الكَرامَةِ زادَهُ في مِثلِ هذَا القَولِ.
أفَيَجوزُ عِندَكُم أن يَكونَ موسى أخا للّه‏ِ، أو شَيخا، أو عَمّا، أو رَئيسا، أو سَيِّدا، أو أميرا ؛ لِأَ نَّهُ قَد زادَهُ فِي الإِكرامِ عَلى مَن قالَ لَهُ: «يا شيخي» أو «يا سَيِّدي» أو «يا عَمّي» أو «يا رَئيسي» أو «يا أميري» ؟!
قالَ: فَبُهِتَ القَومُ وتَحَيَّروا وقالوا: يا مُحَمَّدُ ! أجِّلنا نَتَفَكَّرُ فيما قَد قُلتَهُ لَنا. فَقالَ: اُنظروا فيهِ بِقُلوبِ مُعتَقِدَةٍ لِلإِنصافِ، يَهدِكُمُ اللّه‏ُ تَعالى.
ثُمَّ أقبَلَ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عَلَى النَّصارى، فَقالَ لَهُم: وأنتُم قُلتُم: إنَّ القَديمَ عَزَّوجَلَّ اتَّحَدَ بِالمَسيحِ ابنِهِ، فَمَا الَّذي أرَدتُموهُ بِهذَا القَولِ ؟ أرَدتُم أنَّ القَديمَ صارَ مُحدَثا لِوُجودِ هذَا المُحدَثِ الَّذي هُوَ عيسى ؟ أو

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9157
صفحه از 216
پرینت  ارسال به