97
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

فَقالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: فَكَيفَ صارَ عُزَيرٌ ابنَ اللّه‏ِ دونَ موسى، وهُوَ الَّذي جاءَهُم بِالتَّوراةِ ورُئِيَ مِنهُ مِنَ المُعجِزاتِ ما قَد عَلِمتُم ؟ ولَئِن كانَ عُزَيرٌ ابنَ اللّه‏ِ، لِما ظَهَرَ مِن إكرامِهِ بِإِحياءِ التَّوراةِ، فَلَقد كانَ موسى بِالبُّنُوَّةِ أولى وأحَقَّ، ولَئِن كانَ هذَا المِقدارُ مِن إكرامِهِ لِعُزَيرٍ يوجِبُ لَهُ أنَّهُ ابنُهُ، فَأضعافُ هذِهِ الكَرامَةِ لِموسى توجِبُ لَهُ مَنزِلَةً أجَلَّ مِنَ البُنُوَّةِ، لِأَنَّكُم إن كُنتُم إنَّما تُريدونَ بِالبُّنُوَّةِ الدَّلالَةَ عَلى سَبيلِ ما تُشاهِدونَهُ في دُنياكُم مِن وِلادَةِ الاُمَّهاتِ الأَولادَ بِوَطى‏ءِ آبائِهِم لَهُنَّ، فَقَد كَفَرتُم بِاللّه‏ِ تَعالى وشَبَّهتُموهُ بِخَلقِهِ، وأوجَبتُم فيهِ صِفاتَ المُحدَثينَ، ووَجَبَ عِندَكُم أن يَكونَ مُحدَثا مَخلوقا، وأن يَكونَ لَهُ خالِقٌ صَنَعَهُ وَابتَدَعَهُ.
قالوا: لَسنا نَعني هذا، فَإِنَّ هذا كُفرٌ كَما ذَكَرتَ، ولكِنّا نَعني أنَّهُ ابنُهُ عَلى مَعنَى الكَرامَةِ، وإن لَم يَكُن هُناكَ وِلادَةً، كَما قَد يَقولُ بَعضُ عُلمائِنا لِمَن يُريدُ إكرامَهُ وإبانَتَهُ بِالمَنزِلَةِ مِن غَيرِهِ: «يا بُنَيَّ»، و «إنَّهُ ابني»، لا عَلى إثباتِ وِلادَتِهِ مِنهُ ؛ لِأَ نَّهُ قَد يَقولُ ذلِكَ لِمَن هُوَ أجنَبِيٌّ لا نَسَبَ لَهُ بَينَهُ وبَينَهُ ؛ وكَذلِكَ لَمّا فَعَلَ اللّه‏ُ تَعالى بِعُزَيرٍ مافَعَلَ، كانَ قَدِ اتَّخَذَهُ ابنا عَلَى الكَرامَةِ لا عَلَى الوِلادَةِ.
فَقالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: فَهذا ما قُلتُهُ لَكُم، إنَّهُ إن وَجَبَ عَلى هذَا الوَجهِ أن يَكونَ عُزَيرٌ ابنَهُ، فَإِنَّ هذِهِ المَنزِلَةَ لِموسى أولى، وإنَّ اللّه‏َ تَعالى يَفضَحُ كُلَّ مُبطِلٍ بِإِقرارِهِ ويَقلِبُ عَلَيهِ حُجَّتَهُ، إنَّ الَّذِي


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
96

وأفضَلُ، وإن خالَفتَنا خَصَمناكَ.
وقالَتِ الدَّهرِيَّةُ: نَحنُ نَقولُ: الأَشياءُ لا بُدءَ لَها وهِيَ دائِمَةٌ، وقَد جِئناكَ لِنَنظُرَ فيما تَقولُ، فَإِنِ اتَّبَعتَنا فَنَحنُ أسبَقُ إلَى الصَّوابِ مِنكَ وأفضَلُ، وإن خالَفتَنا خَصَمناكَ.
وقالَتِ الثَّنَوِيَّةُ: نَحنُ نَقولُ: إنَّ النّورَ وَالظُّلمَةَ هُمَا المُدَبِّرانِ، وقَدجِئناكَ لِنَنظُرَ فيما تَقولُ، فَإِنِ اتَّبَعتَنا فَنَحنُ أسبَقُ إلَى الصَّوابِ مِنكَ، وإن خالَفتَنا خَصَمناكَ.
وقالَ مُشرِكُو العَرَبِ: نَحنُ نَقولُ: إنَّ أوثانَنا آلِهَةٌ، وقَدجِئناكَ لِنَنظُرَ فيما تَقولُ، فَإِنِ اتَّبَعتَنا فَنَحنُ أسبَقُ إلَى الصَّوابِ مِنكَ وأفضَلُ، وإن خالَفتَنا خَصَمناكَ.
فَقالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: آمَنتُ بِاللّه‏ِ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وكَفَرتُ بِالجِبتِ وَالطّاغوتِ، وبِكُلِّ مَعبودٍ سِواهُ.
ثُمَّ قالَ لَهُم: إنَّ اللّه‏َ تَعالى قَد بَعَثَني كافَّةً لِلنّاسِ بَشيرا، ونَذيرا، وحُجَّةً عَلَى العالَمينَ، وسَيَرُدُّ كَيدَ مَن يَكيدُ دينَهُ في نَحرِهِ.
ثُمَّ قالَ لِليَهودِ: أجِئتُموني لِأَقبَلَ قَولَكُم بِغَيرِ حُجَّةٍ ؟
قالوا: لا.
قالَ: فَمَا الَّذي دَعاكم إلَى القَولِ بِأَنَّ عُزَيرا اِبنُ اللّه‏ِ ؟
قالوا: لِأَ نَّهُ أحيى لِبَني إسرائيلَ التَّوراةَ بَعدَ ما ذَهَبَت، ولَم يَفعَل بِها هذا إلاّ لِأَ نَّهُ ابنُهُ.

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9161
صفحه از 216
پرینت  ارسال به