75
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

ثُمَّ قالَ: «الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا» أي إذا أكمَنَ النّارَ الحارَّةَ فِي الشَّجَرِ الأَخضَرِ الرَّطبِ، ثُمَّ يَستَخرِجُها فَعَرَّفَكُم أنَّهُ عَلى إعادَةِ ما بَلِيَ أقدَرُ.
ثُمَّ قالَ: «أَوَ لَيْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمَوَ تِ وَ الْأَرْضَ بِقَدِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَ هُوَ الْخَلَّقُ الْعَلِيمُ»۱ أي: إذا كانَ خَلقُ السَّماواتِ وَالأَرضِ أعظَمَ وأبعَدَ في أوهامِكُم وقَدَرِكُم أَن تَقدِروا عَلَيهِ مِن إعادَةِ البالي، فَكَيفَ جَوَّزتُم مِنَ اللّه‏ِ خَلقَ هذَا الأَعجَبِ عِندَكُم، وَالأَصعَبِ لَدَيكُم، ولَم تُجَوِّزوا مِنهُ [خَلقَ]ما هُوَ أسهَلُ عِندَكُم مِن إعادَةِ البالي ؟
فَقالَ الصّادِقُ عليه‏السلام: فَهذَا الجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ، لِأَنَّ فيها قَطعَ عُذرِ الكافِرينَ وإزالَةَ شُبَهِهِم.
وأمَّا الجِدالُ بِغَيرِ الَّتي هِيَ أحسَنُ، فَأَن تَجحَدَ حَقّا لايُمكِنُكَ أن تُفَرِّقَ بَينَهُ وبَينَ باطِلِ مَن تُجادِلُهُ، وإنَّما تَدفَعُهُ عَن باطِلِهِ، بِأَن تَجحَدَ الحَقَّ، فَهذا هُوَ المُحَرَّمُ، لِأَنَّكَ مِثلُهُ، جَحَدَ هُوَ حَقّا، وجَحَدت أنتَ حَقّا آخَرَ.
وقالَ أبو مُحَمَّدٍ الحَسَنُ العَسكَرِيُّ عليه‏السلام: فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ آخَرُ وقالَ: يَابنَ رَسولِ اللّه‏ِ، أفجادَلَ رَسولُ اللّه‏ِ ؟
فَقالَ الصّادِقُ عليه‏السلام: مَهما ظَنَنتَ بِرَسولِ اللّه‏ِ مِن شَيءٍ، فَلا تَظُنَّنَّ بِهِ

1.۱ و يس : ۸۰ و ۸۱ .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
74

عَلَيكَ باطِلاً، فَلا تَرُدُّهُ بِحُجَّةٍ قَد نَصَبَهَا اللّه‏ُ، ولكِن تَجحَدُ قَولَهُ، أو تَجحَدُ حَقّا، يُريدُ ذلِكَ المُبطِلُ أن يُعينَ بِهِ باطِلَهُ، فَتَجحَدُ ذلِكَ الحَقَّ مَخافَةَ أن يَكونَ لَهُ عَلَيكَ فيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّكَ لاتَدري كَيفَ المَخلَصُ مِنهُ، فَذلِكَ حَرامٌ عَلى شيعَتِنا أن يَصيروا فِتنَةً عَلى ضُعَفاءِ إخوانِهِم وعَلَى المُبطِلينَ.
أمَّا المُبطِلونَ فَيَجعَلونَ ضَعفَ الضَّعيفِ مِنكُم إذا تَعاطى مُجادَلَتَهُ، وضَعفَ ما في يَدِهِ، حُجَّةً لَهُ عَلى باطِلِهِ.
وأمَّا الضُّعَفاءُ مِنكُم فَتُغَمُّ قُلوبُهُم لِما يَرَونَ مِن ضَعفِ المُحِقِّ في يَدِ المُبطِلِ.
وأمَّا الجِدالُ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ، فَهُوَ ما أمَرَ اللّه‏ُ تَعالى بِهِ نَبِيَّهُ أن يُجادِلَ بِهِ مَن جَحَدَ البَعثَ بَعدَ المَوتِ وإحياءَهُ لَهُ، فَقالَ اللّه‏ُ تَعالى حاكِيا عَنهُ: «وَ ضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَ نَسِىَ خَلْقَهُو قَالَ مَن يُحْىِ الْعِظَمَ وَ هِىَ رَمِيمٌ» فَقالَ اللّه‏ُ تَعالى فِي الرَّدِّ عَلَيهِ: «قُلْ ـ يا مُحَمَّد ـ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ» إلى آخِرِ السّورَةِ.
فَأَرادَ اللّه‏ُ مِن نَبِيِّهِ أن يُجادِلَ المُبطِلَ الَّذي قالَ: كَيفَ يَجوزُ أن يُبعَثَ هذِهِ العِظامُ وهِيَ رَميمٌ ؟ فَقالَ اللّه‏ُ تَعالى: «قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ»۱ أفَيَعجُزُ مَنِ ابتَدَأَ بِهِ لا مِن شَيءٍ أن يُعيدَهُ بَعدَ أن يَبلى ؟ بَلِ ابتِداؤُهُ أصعَبُ عِندَكُم مِن إعادَتِهِ.

1.۱ و يس : ۷۸ و ۷۹ .

تعداد بازدید : 8295
صفحه از 216
پرینت  ارسال به