19
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

كثيرة ظاهرة التقليد في الاُصول الفكريّة الذي يُعدُّ في الحقيقة واحدا من الدعائم الأساسيّة في اختلاف الحضارات، ويعلن صراحة: «وَ لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِى عِلْمٌ»۱.

وهذا الكلام يعني الامتثال لحكم العقل والفطرة لدى الإنسان الذي لايمكنه اتّباع نظرية ما وإرساء اُسُس حياته الفرديّة والاجتماعيّة وفقا لها ما لم يكن على علم ووعي بها.

وجاء في آية اُخرى:

«إِنَّ شَرَّ الدَّوَآبِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ»۲.

وليس المراد من الصمّ والبكم في هذه الآية الكريمة الفاقدين لحاسَّة السمع، أو الذين لا يستطيعون الكلام، و إنّما المراد اُولئك الذين ورد وصفهم بعبارة «لا يعقلون»، أي: الذين لايفكّرون في اختيار نهج الحياة، وهؤلاء أنفسهم وصفتهم آية اُخرى بالخصائص التالية:

«لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّيَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّيُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَّيَسْمَعُونَ بِهَا»۳.

وهكذا يريد الإسلام أن يفكّ أغلال التقليد الأعمى الذي يكبّل أيدي وأرجل فكر الناس، ويحرِّرهم من العبوديّة الفكريّة، ويمهّد السبل أمام

1.الإسراء : ۳۶ .

2.الأنفال : ۲۲ .

3.الأعراف : ۱۷۹ .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
18

الرسالة نماذج منها.

ومن هنا فإنَّ النكتة التي تسترعي الاهتمام في ما يخصّ اقتراح «حوار الحضارات» الذي عُرض من قِبَل رئيس الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة المحترم، هو أنّ هذا الاقتراح ليس أمرا جديدا في تاريخ الإسلام، وإنّما هي دعوة أطلقها الإسلام قبل أربعة عشر قرنا وقد وصلت إلى أسماع العالم اليوم.

ونحن نتفأل بالخير لإقرار هذا الاقتراح من قِبَل منظمة الاُمم المتّحدة، ونرى فيه دلالة على أنّ العقل والمنطق سيحلّ في المستقبل بدلاً من أساليب القهر والإغراء والخداع ؛ كما أنّ القرآن تنبّأ في أنّ الأرض سيرثها الصالحون۱.

النزعة العقليّة في الإسلام

إنّ هذا الاقتراح يعكس في الحقيقة أحد الأدلَّة على وجود النزعة العقليّة في الإسلام، وارتكاز هذه الشريعة الإلهيّة على الموازين العقليّة والمنطقيّة. ولا شكّ في أنّ النهج الذي طرحه الإسلام للحياة والحضارة، لو لم يكن مرتكزا على اُسُس علميّة لما كان يدعو بني الإنسان إلى التعقُّل والتدبّر والحوار بشأن اُصوله العقائديّة، بل كان يركن إلى الاستبداد الفكريّ والدينيّ والتقليد الأعمى ويدافع عنه، بيدَ أنّ القرآن الكريم يدين في موارد

1.«وَ لَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِنم بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّــلِحُونَ» الأنبياء : ۱۰۵ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 8104
صفحه از 216
پرینت  ارسال به