قالَ: فَأَخبِرني عَنِ الرّوحِ أغيرُ الدَّمِ ؟
قالَ: نَعَم، الرّوحُ عَلى ما وَصَفتُ لَكَ: مادَّتُها مِنَ الدَّمِ، ومِنَ الدَّمِ رُطوبَةُ الجِسمِ وصَفاءُ اللَّونِ وحُسنُ الصَّوتِ، وكَثرَةُ الضِّحكِ، فَإِذا جَمَدَ الدَّمُ فارَقَ الرّوحُ البَدَنَ...
قالَ: أفَيَتَلاشَى الرّوحُ بَعدَ خُروجِهِ عَن قالَبِهِ أم هُوَ باقٍ ؟ قالَ: بَل هُوَ باقٍ إلى وَقتِ يُنفَخُ فِي الصّورِ، فَعِندَ ذلِكَ تَبطُلُ الأَشياءُ وتَفنى، فَلا حِسَّ ولا مَحسوسَ، ثُمَّ اُعيدَتِ الأَشياءُ كَما بَدَأَها مُدَبِّرُها، وذلِكَ أربَعُمِائَةِ سَنَةٍ يُسْبَتُ۱ فيهَا الخَلقُ وذلِكَ بَينَ النَّفخَتَينِ.
قالَ: وأنّى لَهُ بِالبَعثِ، وَالبَدَنُ قَد بَلِيَ، وَالأَعضاءُ قَد تَفَرَّقَت، فَعُضوٌ بِبَلدَةٍ يَأكُلُها سِباعُها، وعُضوٌ بِاُخرى تُمَزِّقُهُ هَوامُّها، وعُضوٌ قَد صارَ تُرابا بُنِيَ بِهِ مَعَ الطّينِ حائِطٌ ؟!
قالَ عليهالسلام: إنَّ الَّذي أنشَأَهُ مِن غَيرِ شَيءٍ، وصَوَّرَهُ عَلى غَيرِ مِثالٍ كانَ سَبَقَ إلَيهِ، قادِرٌ أن يُعيدَهُ كَما بَدَأَهُ.
قالَ: أوضِح لي ذلِكَ!
قالَ: إنَّ الرّوحَ مُقيمَةٌ في مَكانِها. روحُ المُحسِنِ في ضِياءٍ وفُسحَةٍ، وروحُ المُسيءِ في ضيقٍ وظُلمَةٍ، وَالبَدَنُ يَصيرُ تُرابا كَما مِنهُ خُلِقَ، وما تَقذِفُ بِهِ السِّباعُ وَالهَوامُّ مِن أجوافِها مِمّا أكَلَتهُ ومَزَّقَتهُ