171
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

قالَ: فَأَخبِرني عَنِ الرّوحِ أغيرُ الدَّمِ ؟
قالَ: نَعَم، الرّوحُ عَلى ما وَصَفتُ لَكَ: مادَّتُها مِنَ الدَّمِ، ومِنَ الدَّمِ رُطوبَةُ الجِسمِ وصَفاءُ اللَّونِ وحُسنُ الصَّوتِ، وكَثرَةُ الضِّحكِ، فَإِذا جَمَدَ الدَّمُ فارَقَ الرّوحُ البَدَنَ...
قالَ: أفَيَتَلاشَى الرّوحُ بَعدَ خُروجِهِ عَن قالَبِهِ أم هُوَ باقٍ ؟ قالَ: بَل هُوَ باقٍ إلى وَقتِ يُنفَخُ فِي الصّورِ، فَعِندَ ذلِكَ تَبطُلُ الأَشياءُ وتَفنى، فَلا حِسَّ ولا مَحسوسَ، ثُمَّ اُعيدَتِ الأَشياءُ كَما بَدَأَها مُدَبِّرُها، وذلِكَ أربَعُمِائَةِ سَنَةٍ يُسْبَتُ۱ فيهَا الخَلقُ وذلِكَ بَينَ النَّفخَتَينِ.
قالَ: وأنّى لَهُ بِالبَعثِ، وَالبَدَنُ قَد بَلِيَ، وَالأَعضاءُ قَد تَفَرَّقَت، فَعُضوٌ بِبَلدَةٍ يَأكُلُها سِباعُها، وعُضوٌ بِاُخرى تُمَزِّقُهُ هَوامُّها، وعُضوٌ قَد صارَ تُرابا بُنِيَ بِهِ مَعَ الطّينِ حائِطٌ ؟!
قالَ عليه‏السلام: إنَّ الَّذي أنشَأَهُ مِن غَيرِ شَيءٍ، وصَوَّرَهُ عَلى غَيرِ مِثالٍ كانَ سَبَقَ إلَيهِ، قادِرٌ أن يُعيدَهُ كَما بَدَأَهُ.
قالَ: أوضِح لي ذلِكَ!
قالَ: إنَّ الرّوحَ مُقيمَةٌ في مَكانِها. روحُ المُحسِنِ في ضِياءٍ وفُسحَةٍ، وروحُ المُسيءِ في ضيقٍ وظُلمَةٍ، وَالبَدَنُ يَصيرُ تُرابا كَما مِنهُ خُلِقَ، وما تَقذِفُ بِهِ السِّباعُ وَالهَوامُّ مِن أجوافِها مِمّا أكَلَتهُ ومَزَّقَتهُ

1.سُبِتَ بالبناء للمفعول : غُشي عليه ، وأيضا مات المصباح المنير : ۲۶۲ .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
170

قالَ عليه‏السلام: الشِّركُ هُوَ أن يُضَمَّ إلَى الواحِدِ الَّذي لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ آخَرُ، وَالشَّكُّ ما لَم يَعتَقِد قَلبُهُ شَيئا.
قالَ: أفَيَكونُ العالِمُ جاهِلاً ؟
قالَ عليه‏السلام: عالِمٌ بِما يَعلَمُ، وجاهِلٌ بما يَجهَلُ.
قالَ: فَمَا السَّعادَةُ ومَا الشَّقاوَةُ ؟
قالَ: السَّعادَةُ: سَببُ خَيرٍ، تَمَسَّكَ بِهِ السَّعيدُ فَيَجُرُّهُ إلَى النَّجاةِ، وَالشَّقاوَةُ: سَبَبُ خِذلانٍ، تَمَسَّكَ بِهِ الشَّقِيُّ فَيَجُرُّهُ إلَى الهَلَكَةِ، وكُلٌّ بِعِلمِ اللّه‏ِ.
قالَ: أخبِرني عَنِ السِّراجِ إذَا انطَفى أينَ يَذهَبُ نورُهُ ؟
قالَ عليه‏السلام: يَذهَبُ فَلا يَعودُ.
قالَ: فَما أنكَرتَ أن يَكونَ الإِنسانُ مِثلَ ذلِكَ إذا ماتَ وفارَقَ الرّوحُ البَدَنَ لَم يَرجِع إلَيهِ أبَدا كَما لا يَرجِعُ ضَوءُ السِّراجِ إلَيهِ أبَدا إذَا انطَفى ؟
قالَ: لَم تُصِبِ القِياسَ، إنَّ النّارَ فِي الأَجسامِ كامِنَةٌ، وَالأَجسامُ قائِمَةٌ بِأَعيانِها كَالحَجَرِ وَالحَديدِ، فَإِذا ضُرِبَ أحَدُهُما بالآخَرِ سَطَعَت مِن بَينِهِما نارٌ، يُقتَبَسُ مِنها سِراجٌ لَهُ ضَوءٌ، فَالنّارُ ثابِتَةٌ في أجسامِها وَالضّوءُ ذاهِبٌ، وَالرّوحُ: جِسمٌ رَقيقٌ قَد اُلبِسَ قالَبا كَثيفا، ولَيسَ بِمَنزِلَةِ السِّراجِ الَّذي ذَكَرتَ. إنَّ الَّذي خَلَقَ فِي الرَّحِمِ جَنينا مِن ماءٍ صافٍ، ورَكَّبَ فيهِ ضُروبا مُختَلِفَةً مِن عُروقٍ وعَصَبٍ وأسنانٍ وشَعرٍ وعِظامٍ وغَيرِ ذلِكَ، وهُوَ يُحِييهِ بَعدَ مَوتِهِ، ويُعيدُهُ بَعدَ فَنائِهِ.

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9605
صفحه از 216
پرینت  ارسال به