17
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

ومحاورته، حتّى أنَّهم كانوا أحيانا يُثيرون الصخب والضجيج، ويطلقون الصفير لكي يحولوا دون سماع الناس لكلامه عند قراءته للقرآن۱، وكانوا في بعض الحالات يوصون من يريدون الطواف حول الكعبة بوضع القطن في آذانهم لكي لايجتذبهم سماع كلام الرسول صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ۲.

وعلى أيّ حال، فإنّ حوارات الرسول وأهل بيته عليهم‏السلام تُشكّل جزءا مهمّا من تاريخ الإسلام المُشرق، وسنعرض في الفصل الخامس من هذه

1.«وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَـذَا الْقُرْءَانِ وَ الْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ» فُصّلت :۲۶ .

2.كان الطفيل بن عمرو الدوسيّ رجلاً شريفا شاعرا مليئا كثير الضيافة ، فقدم مكّة ورسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آلهبها ، فمشى إليه رجال من قريش ، فقالوا : يا طُفيل ، إنّك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وفرّق جماعتنا ، وشتّت أمرنا ، وإنّما قوله كالسحر يفرّق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، إنّا نخشى عليك وعلى قومك مثل ما دخل علينا منه ، فلا تكلّمه ولا تسمع منه .
قال الطفيل : فواللّه‏ ما زالوا بي حتّى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا اُكلّمه ، فغدوت إلى المسجد وقد حشوت اُذنيّ كرسفا ، يعني قطنا ، فَرَقا من أن يبلغني شيء من قوله حتّى كان يقال لي : ذو القطنتين . قال : فغدوت يوما إلى المسجد فإذا رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله قائم يصلّي عند الكعبة ، فقمت قريبا منه فأبى اللّه‏ إلاّ أن يسمعني بعض قوله ، فسمعت كلاما حسنا ، فقلت في نفسي : واثُكل اُمّي ، واللّه‏ إنّي لرجل لبيب شاعر ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح ، فما يمنعني من أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ؟ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته وإن كان قبيحا تركته .
فمكثتُ حتّى انصرف إلى بيته ، ثُمّ اتّبعته حتّى إذا دخل بيته دخلتُ معه ، فقلتُ : يا محمّد ، إنّ قومك قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا لي ، فواللّه‏ ما تركوني يخوّفوني أمرك حتّى سددت اُذنيَّ بكرسف لِئلاّ أسمع قولك ، ثمّ إنّ اللّه‏ أبى إلاّ أن يسمعنيه ، فسمعت قولاً حسنا فاعرض عليَّ أمرك . فعرض عليه رسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله الإسلام وتلا عليه القرآن .
فقال : لا واللّه‏ ، ما سمعت قولاً قطّ أحسن من هذا ، ولا أمرا أعدل منه . فأسلمت وشهدت شهادة الحقّ ، فقلتُ : يا نبيّ اللّه‏ ، إنّي امرؤٌ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم فداعيهم إلى الإسلام ، فادع اللّه‏ أن يكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم‏إليه . فقال : اللّهمّ اجعل له آية (الطبقات‏الكبرى : ۴ / ۲۳۷ ، السيره‏النبويّة لابن هشام : ۲/۲۲ ، البداية والنهاية : ۳ / ۹۹) .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
16

ب ـ الحوار في الأديان والمذاهب

كان الجدل والنقاش شائعا بين أتباع الأديان المختلفة منذ القديم. وقبل ظهور الإسلام كان الجدل محتدما بين الأديان والمذاهب التالية:

۱ ـ الجدل بين النصارى والمشركين.

۲ ـ الجدل بين اليهود والمشركين.

۳ ـ الجدل بين الحنفاء الموحّدين والمشركين.

۴ ـ الجدل بين اليهود والنصارى.

۵ ـ الجدل بين مذاهب اليهود كالربّانيّين والقُرّاء.

۶ ـ الجدل بين الفرق المسيحيّة كالجدل حول قضيّة التثليث وعلاقة عيسى عليه‏السلام باللّه‏.

ج ـ الحوار في الإسلام

أكّد الإسلام أكثر من أيّ دين آخر على الحوار، لأجل توعية الناس بحقائق الوجود وتعريفهم بمنهجه التكامليّ والوصول إلى حضارة أفضل. وكانت أكبر معجزة جاء بها خاتم الأنبياء محمّد صلى‏الله‏عليه‏و‏آله لتعريف الناس بحقيقة الحضارة الإسلاميّة هي «الكلام». وهو ما يدلُّ على الاستخدام الخارق للحوار من أجل تعريف الناس بالحقائق في عصر الرسالة الخاتمة.

وقد حاول أعداء الإسلام الذين أدركوا مدى المقدرة الكلاميّة والبلاغيّة لرسول اللّه‏ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، منع النّاس بشكل أو آخر من التحدُّث إليه

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 8160
صفحه از 216
پرینت  ارسال به