167
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

الآفاتِ، ويُخبِرُكَ الآخِرُ عَنِ الأَوَّلِ، ويُنَبِّئُكَ الخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَالقُرونُ عَنِ القُرونِ، أنَّهُم وَجَدُوا الخَلقَ عَلى هذَا الوَصفِ بِمَنزِلَةِ الشَّجَرِ وَالنَّباتِ، في كُلِّ دَهرٍ يَخرُجُ مِنهُ حَكيمٌ عَليمٌ بِمَصلَحَةِ النّاسِ، بَصيرٌ بِتَأليفِ الكَلامِ، ويُصَنِّفُ كِتابا قَد حَبَّرَهُ بِفِطنَتِهِ، وحَسَّنَهُ بِحِكمَتِهِ، قَد جَعَلَهُ حاجِزا بَينَ النّاسِ، يَأمُرُهُم بِالخَيرِ ويَحُثُّهُم عَلَيهِ، ويَنهاهُم عَنِ السّوءِ وَالفَسادِ ويَزجُرُهُم عَنهُ، لِئَلاّ يَتَهارَشوا۱، ولا يَقتُلُ بَعضُهُم بَعضا ؟
قالَ عليه‏السلام: وَيحَكَ! إنَّ مَن خَرَجَ مِن بَطنِ اُمِّهِ أمسِ، ويَرحَلُ عَنِ الدُّنيا غَدا لا عِلمَ لَهُ بِما كانَ قَبلَهُ ولا ما يَكونُ بَعدَهُ، ثُمَّ إنَّهُ لا يَخلُو الإِنسانُ مِن أن يَكونَ خَلَقَ نَفسَهُ أو خَلَقَهُ غَيرُهُ، أو لَم يَزَل مَوجودا، فَما لَيسَ بِشَيءٍ لا يَقدِرُ أن يَخلُقَ شَيئا وهُوَ لَيسَ بِشَيءٍ، وكَذلِكَ ما لَم يَكُن فَيَكونُ شَيئا، يُسأَلُ فَلا يَعلَمُ كَيفَ كانَ ابتِداؤُهُ.
ولَو كانَ الإِنسانُ أزَلِيّا لَم تَحدُث فيهِ الحَوادِثُ، لِأَنَّ الأَزَلِيَّ لا تُغَيِّرُهُ الأَيَّامُ، ولا يَأتي عَلَيهِ الفَناءُ، مَعَ أنّا لَم نَجِد بِناءً مِن غَيرِ بانٍ، ولا أثَرا مِن غَيرِ مُؤَثِّرٍ، ولا تَأليفا مِن غَيرِ مُؤَلِّفٍ، فَمَن زَعَمَ أنّ أباهُ خَلَقَهُ، قيلَ: فَمَن خَلَقَ أباهُ ؟ ولَو أنَّ الأَبَ هُوَ الَّذي خَلَقَ ابنَهُ لَخَلَقَهُ عَلى شَهوَتِهِ، وصَوَّرَهُ عَلى مَحَبَّتِهِ ولَمَلَكَ حَياتَهُ، ولَجازَ فيهِ حُكمُهُ،

1.التهريش : التحريش بين الكلاب ، والإفساد بين الناس ، والمهارشة : تحريش بعضها على بعض القاموس المحيط : ۲ / ۲۹۳ .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
166

قالَ: كَرِهَ أن يُضَيِّعَ الرَّجُلُ ماءَهُ ويَأتي غَيرَ شَكلِهِ، ولَو أباحَ ذلِكَ لَرَبَطَ كُلُّ رَجُلٍ أتانا يَركَبُ ظَهرَها ويَغشى فَرجَها، فَيَكونُ في ذلِكَ فَسادٌ كَثيرٌ فَأَباحَ ظُهورَها، وحَرَّمَ عَلَيهِم فُروجَها، وخَلَقَ لِلرِّجالِ النِّساءَ لِيَأنَسوا بِهِنَّ ويَسكُنوا إلَيهِنَّ، ويَكُنَّ مَوضِعَ شَهَواتِهِم، واُمَّهاتِ أولادِهِم.
قالَ: فَما عِلَّةُ الغُسلِ مِنَ الجَنابَةِ، وإنَّما أتى حَلالاً ولَيسَ فِي الحَلالِ تَدنيسٌ ؟
قالَ عليه‏السلام: إنَّ الجَنابَةَ بِمَنزِلَةِ الحَيضِ، وذلِكَ أنَّ النُّطفَةَ دَمٌ لَم يُستَحكَم ولا يَكونُ الجِماعُ إلاّ بِحَرَكَةٍ شَديدَةٍ وشَهوَةٍ غالِبَةٍ، فَإِذا فَرَّغَ [الرَّجُلُ]تَنَفَّسَ البَدَنُ ووَجَدَ الرَّجُلُ مِن نَفسِهِ رائِحَةً كَريهَةً، فَوَجَبَ الغُسلُ لِذلِكَ، وغُسلُ الجَنابَةِ مَعَ ذلِكَ أمانَةٌ ائتَمَنَ اللّه‏ُ عَلَيها عَبيدَهُ لِيَختَبِرَهُم بِها۱...
قالَ: فَمَن قالَ بِالطَّبائِعِ ؟ قالَ: القَدَرِيَّةُ، فَذلِكَ قَولُ مَن لَم يَملِكِ البَقاءَ، ولا صَرفَ الحَوادِثِ ؛ وغَيَّرَتهُ الأَيّامُ وَاللَّيالي، لا يَرُدُّ الهَرَمَ، ولا يَدفَعُ الأَجَلَ، ما يَدري ما يُصنَعُ بِهِ.
قالَ: فَأَخبِرني عَمَّن زَعَمَ أنَّ الخَلقَ لَم يَزَل يَتَناسَلونَ ويَتَوالَدونَ ويَذهَبُ قَرنٌ ويَجيءُ قَرنٌ، تُفنيهِمُ الأَمراضُ وَالأَعراضُ وصُنوفُ

1.انظر المناقب لابن شهرآشوب : ۴/۲۶۴ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9611
صفحه از 216
پرینت  ارسال به