الآفاتِ، ويُخبِرُكَ الآخِرُ عَنِ الأَوَّلِ، ويُنَبِّئُكَ الخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَالقُرونُ عَنِ القُرونِ، أنَّهُم وَجَدُوا الخَلقَ عَلى هذَا الوَصفِ بِمَنزِلَةِ الشَّجَرِ وَالنَّباتِ، في كُلِّ دَهرٍ يَخرُجُ مِنهُ حَكيمٌ عَليمٌ بِمَصلَحَةِ النّاسِ، بَصيرٌ بِتَأليفِ الكَلامِ، ويُصَنِّفُ كِتابا قَد حَبَّرَهُ بِفِطنَتِهِ، وحَسَّنَهُ بِحِكمَتِهِ، قَد جَعَلَهُ حاجِزا بَينَ النّاسِ، يَأمُرُهُم بِالخَيرِ ويَحُثُّهُم عَلَيهِ، ويَنهاهُم عَنِ السّوءِ وَالفَسادِ ويَزجُرُهُم عَنهُ، لِئَلاّ يَتَهارَشوا۱، ولا يَقتُلُ بَعضُهُم بَعضا ؟
قالَ عليهالسلام: وَيحَكَ! إنَّ مَن خَرَجَ مِن بَطنِ اُمِّهِ أمسِ، ويَرحَلُ عَنِ الدُّنيا غَدا لا عِلمَ لَهُ بِما كانَ قَبلَهُ ولا ما يَكونُ بَعدَهُ، ثُمَّ إنَّهُ لا يَخلُو الإِنسانُ مِن أن يَكونَ خَلَقَ نَفسَهُ أو خَلَقَهُ غَيرُهُ، أو لَم يَزَل مَوجودا، فَما لَيسَ بِشَيءٍ لا يَقدِرُ أن يَخلُقَ شَيئا وهُوَ لَيسَ بِشَيءٍ، وكَذلِكَ ما لَم يَكُن فَيَكونُ شَيئا، يُسأَلُ فَلا يَعلَمُ كَيفَ كانَ ابتِداؤُهُ.
ولَو كانَ الإِنسانُ أزَلِيّا لَم تَحدُث فيهِ الحَوادِثُ، لِأَنَّ الأَزَلِيَّ لا تُغَيِّرُهُ الأَيَّامُ، ولا يَأتي عَلَيهِ الفَناءُ، مَعَ أنّا لَم نَجِد بِناءً مِن غَيرِ بانٍ، ولا أثَرا مِن غَيرِ مُؤَثِّرٍ، ولا تَأليفا مِن غَيرِ مُؤَلِّفٍ، فَمَن زَعَمَ أنّ أباهُ خَلَقَهُ، قيلَ: فَمَن خَلَقَ أباهُ ؟ ولَو أنَّ الأَبَ هُوَ الَّذي خَلَقَ ابنَهُ لَخَلَقَهُ عَلى شَهوَتِهِ، وصَوَّرَهُ عَلى مَحَبَّتِهِ ولَمَلَكَ حَياتَهُ، ولَجازَ فيهِ حُكمُهُ،