165
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

قالَ: لِأَ نَّهُ يورِثُ القَساوَةَ، ويَسلُبُ الفُؤَادَ رَحمَتَهُ، ويُعَفِّنُ البَدَنَ ويُغَيِّرُ اللَّونَ، وأكثَرُ ما يُصيبُ الإِنسانَ الجُذامُ يَكونُ مِن أكلِ الدَّمِ. قالَ: فَأَكلُ الغُدَدِ ؟ قالَ: يورِثُ الجُذامَ.
قالَ: فَالميتَةُ لِمَ حَرَّمَها ؟
قالَ: فَرقا بَينَها وبَينَ ما يُذَكّى ويُذكَرُ عَلَيهِ اسمُ اللّه‏ِ، وَالميتَةُ قَد جَمَدَ فيهَا الدَّمُ وتَراجَعَ إلى بَدَنِها، فَلَحمُها ثَقيلٌ غَيرُ مَريءٍ ؛ لِأَ نَّها يُؤكَلُ لَحمُها بِدَمِها.
قالَ: فَالسَّمَكُ ميتَةٌ ؟
قالَ: إنَّ السَّمَكَ ذَكاتُهُ إخراجُهُ حَيّا مِنَ الماءِ، ثُمَّ يُترَكُ حَتّى يَموتَ مِن ذاتِ نَفسِهِ، وذلِكَ أنَّهُ لَيسَ لَهُ دمٌ، وكَذلِكَ الجَرادُ.
قالَ: فَلِمَ حَرَّمَ الزِّنا ؟
قالَ: لِما فيهِ مِنَ الفَسادِ وذَهابِ المَواريثِ وانقِطاعِ الأَنسابِ، لا تَعلَمُ المَرأَةُ فِي الزِّنا مَن أحبَلَها، ولاَ المَولودُ يَعلَمُ مَن أبوهُ، ولا أرحامٌ مَوصولَةٌ ولا قَرابَةٌ مَعروفَةٌ.
قالَ: فَلِمَ حَرَّمَ اللِّواطَ ؟
قالَ: مِن أجلِ أنَّهُ لَو كانَ إتيانُ الغُلامِ حَلالاً لاَستَغنَى الرِّجالُ عَنِ النِّساءِ وكانَ فيهِ قَطعُ النَّسلِ، وتَعطيلُ الفُروجِ، وكانَ في إجازَةِ ذلِكَ فَسادٌ كَثيرٌ.
قالَ: فَلِمَ حَرَّمَ إتيانَ البَهيمَةِ ؟


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
164

بِأَسيرٍ بَل هُوَ مُطلَقٌ عَزيزٌ، فَإِن لَم يَكُن كَذلِكَ وكانَ أسيرَ الظُّلمَةِ، فَإِنَّهُ يَظهَرُ في هذَا العالَمِ إحسانٌ وخَيرٌ مَعَ فَسادٍ وشَرٍّ، فَهذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الظُّلمَةَ تُحسِنُ الخَيرَ وتَفعَلُهُ، كَما تُحسِنُ الشَّرَّ وتَفعَلُهُ، فَإِن قالوا مُحالٌ ذلِكَ فَلا نُورَ يَثبُتُ ولا ظُلمَةَ، وبَطَلَت دَعواهُم، ورَجَعَ الأَمرُ إلى أنَّ اللّه‏َ واحِدٌ وما سِواهُ باطِلٌ، فَهذِهِ مَقالَةُ مانِي الزِّنديقِ وأصحابِهِ۱.
وأمّا مَن قالَ: النّورُ وَالظُّلمَةُ بَينَهما حَكَمٌ، فَلابُدَّ مِن أن يَكونَ أكبَرُ الثَّلاثَةِ الحَكَمَ، لِأَ نَّهُ لايَحتاجُ إلَى الحاكِمِ إلاّ مَغلوبٌ أو جاهِلٌ أو مَظلومٌ، وهذِهِ مَقالَةُ المانَوِيَّةِ وَالحِكايَةُ عَنهُم تَطولُ...
قالَ: فَلِمَ حَرَّمَ اللّه‏ُ الخَمرَ ولا لَذَّةَ أفضَلُ مِنها ؟ قالَ: حَرَّمَها لِأَ نَّها اُمُّ الخَبائِثِ، ورَأسُ كُلِّ شَرٍّ، يَأتي عَلى شارِبِها ساعَةٌ يُسلَبُ لُبُّهُ، ولا يَعرِفُ رَبَّهُ، ولا يَترُكُ مَعصِيَةً إلاّ رَكِبَها ولا حُرمَةً إلاّ انتَهَكَها ولا رَحِما ماسَّةً إلاّ قَطَعَها، ولا فاحِشَةً إلاّ أتاها، وَالسَّكرانُ زِمامُهُ بِيَدِ الشَّيطانِ، إن أمَرَهُ أن يَسجُدَ لِلأَوثانِ سَجَدَ، ويَنقادُ حَيثُ ما قادَهُ.
قالَ: فَلِمَ حَرَّمَ الدَّمَ المَسفوحَ ؟

1.أصحاب «ماني» يسمّون : المانويّة ، وهم أصحاب ماني بن فاتك الحكيم ، الذي ظهر في زمانسابور بن أردشير ، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور ، وذلك بعد عيسى بن مريم عليه‏السلام ، أحدث دينا بين المجوسيّة والنصرانيّة . . . وزعم أنّ العالم مصنوع مركّب من أصلين قديمين ، أحدهما نور والآخر ظلمة ، وأنّهما أزليّان لم يزالا ولن يزالا . . . انظر الملل والنحل للشهرستاني : ۱ / ۲۴۴ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9614
صفحه از 216
پرینت  ارسال به