وحَبَروها لَهُم بِأَلفاظٍ مُزَخرَفَةٍ مِن غَيرِ أصلٍ ثابِتٍ، ولا حُجَّةَ توجِبُ إثباتَ ما ادَّعَوا، كُلُّ ذلِكَ خِلافا عَلَى اللّهِ وعَلى رُسُلِهِ، وتَكذيبا بِما جاؤوا بِهِ عَنِ اللّهِ تَعالى.
فَأَمّا مَن زَعَمَ أنَّ الأَبدانَ ظُلمَةٌ، والأَرواحَ نورٌ، وأنَّ النّورَ لا يَعمَلُ الشَّرَّ وَالظُّلمَةَ لا تَعمَلُ الخَيرَ، فَلا يَجِبُ عَلَيهِم أن يَلوموا أحَدا عَلى مَعصِيَةٍ ولا رُكوبِ حُرمَةٍ ولا إتيانِ فاحِشَةٍ، وإنَّ ذلِكَ عَلَى الظُّلمَةِ غَيرُ مُستَنكَرٍ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ فِعلُها ولا لَهُ أن يَدعُوَ رَبّا، ولا يَتَضَرَّعَ إلَيهِ ؛ لِأَنَّ النّورَ رَبٌّ، وَالرَّبُّ لا يَتَضَرَّعُ إلى نَفسِهِ ولا يَستَعيذُ بِغَيرِهِ، ولا لِأَحَدٍ مِن أهلِ هذِهِ المَقالَةَ أن يَقولَ: «أحسَنتَ يا مُحسِنُ» أو «أسَأتَ» ؛ لِأَنَّ الإِساءَةَ مِن فِعلِ الظُّلمَةِ وذلِكَ فَعَلَها، وإِلاحسانُ مِنَ النّورِ، ولا يَقولُ النّورُ لِنَفسِهِ أحسَنتَ يا مُحسِنُ، ولَيسَ هُناكَ ثالِثٌ، فَكانَتِ الظُّلمَةُ عَلى قِياسِ قَولِهِم، أحكَمَ فِعلاً وأتقَنَ تَدبيرا وأعَزَّ أركانا مِنَ النّورِ، لِأَنَّ الأبدانَ مُحكَمَةٌ، فَمَن صَوَّر هذَا الخَلقَ صورَةً واحِدَةً عَلى نُعوتٍ مُختَلِفَةٍ ؟
وكُلُّ شَيءٍ يُرى ظاهِرا مِنَ الزَّهرِ وَالأَشجارِ وَالثِّمارِ وَالطُّيورِ وَالدَّوابِّ يَجِبُ أن يَكونَ إلها، ثُمَّ حَبَسَتِ النّورَ في حَبسِها وَالدَّولَةُ لَها، وأمّا مَا ادَّعَوا بِأَنَّ العاقِبَةَ سَوفَ تَكونُ لِلنّورِ فَدعوًى، ويَنبَغي عَلى قِياسِ قَولِهِم أن لا يَكونَ لِلنّورِ فِعلٌ لِأَ نَّهُ أسيرٌ، ولَيسَ لَهُ سُلطانٌ، فَلا فِعلَ لَهُ ولا تَدبيرَ، وإن كانَ لَهُ مَعَ الظُّلمَةِ تَدبيرٌ، فَما هُوَ