163
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

وحَبَروها لَهُم بِأَلفاظٍ مُزَخرَفَةٍ مِن غَيرِ أصلٍ ثابِتٍ، ولا حُجَّةَ توجِبُ إثباتَ ما ادَّعَوا، كُلُّ ذلِكَ خِلافا عَلَى اللّه‏ِ وعَلى رُسُلِهِ، وتَكذيبا بِما جاؤوا بِهِ عَنِ اللّه‏ِ تَعالى.
فَأَمّا مَن زَعَمَ أنَّ الأَبدانَ ظُلمَةٌ، والأَرواحَ نورٌ، وأنَّ النّورَ لا يَعمَلُ الشَّرَّ وَالظُّلمَةَ لا تَعمَلُ الخَيرَ، فَلا يَجِبُ عَلَيهِم أن يَلوموا أحَدا عَلى مَعصِيَةٍ ولا رُكوبِ حُرمَةٍ ولا إتيانِ فاحِشَةٍ، وإنَّ ذلِكَ عَلَى الظُّلمَةِ غَيرُ مُستَنكَرٍ ؛ لِأَنَّ ذلِكَ فِعلُها ولا لَهُ أن يَدعُوَ رَبّا، ولا يَتَضَرَّعَ إلَيهِ ؛ لِأَنَّ النّورَ رَبٌّ، وَالرَّبُّ لا يَتَضَرَّعُ إلى نَفسِهِ ولا يَستَعيذُ بِغَيرِهِ، ولا لِأَحَدٍ مِن أهلِ هذِهِ المَقالَةَ أن يَقولَ: «أحسَنتَ يا مُحسِنُ» أو «أسَأتَ» ؛ لِأَنَّ الإِساءَةَ مِن فِعلِ الظُّلمَةِ وذلِكَ فَعَلَها، وإِلاحسانُ مِنَ النّورِ، ولا يَقولُ النّورُ لِنَفسِهِ أحسَنتَ يا مُحسِنُ، ولَيسَ هُناكَ ثالِثٌ، فَكانَتِ الظُّلمَةُ عَلى قِياسِ قَولِهِم، أحكَمَ فِعلاً وأتقَنَ تَدبيرا وأعَزَّ أركانا مِنَ النّورِ، لِأَنَّ الأبدانَ مُحكَمَةٌ، فَمَن صَوَّر هذَا الخَلقَ صورَةً واحِدَةً عَلى نُعوتٍ مُختَلِفَةٍ ؟
وكُلُّ شَيءٍ يُرى ظاهِرا مِنَ الزَّهرِ وَالأَشجارِ وَالثِّمارِ وَالطُّيورِ وَالدَّوابِّ يَجِبُ أن يَكونَ إلها، ثُمَّ حَبَسَتِ النّورَ في حَبسِها وَالدَّولَةُ لَها، وأمّا مَا ادَّعَوا بِأَنَّ العاقِبَةَ سَوفَ تَكونُ لِلنّورِ فَدعوًى، ويَنبَغي عَلى قِياسِ قَولِهِم أن لا يَكونَ لِلنّورِ فِعلٌ لِأَ نَّهُ أسيرٌ، ولَيسَ لَهُ سُلطانٌ، فَلا فِعلَ لَهُ ولا تَدبيرَ، وإن كانَ لَهُ مَعَ الظُّلمَةِ تَدبيرٌ، فَما هُوَ


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
162

التَّوراةُ، ولَعَنَهُمُ الفُرقانُ، وزَعَموا مَعَ ذلِكَ أنَّ إلهَهُم يَنتَقِلُ مِن قالَبٍ إلى قالَبٍ، وأنَّ الأَرواحَ الأَزَلِيَّةَ هِيَ الَّتي كانَت في آدَمَ، ثُمَّ هَلُمَّ جَرّا تَجري إلى يَومِنا هذا في واحِدٍ بَعدَ آخَرَ، فَإِذا كانَ الخالِقُ في صورَةِ المَخلوقِ فَبِما يُستَدَلُّ عَلى أنَّ أحَدَهُما خالِقُ صاحِبِهِ ؟!
وقالوا: إنَّ المَلائِكَةَ مِن وُلدِ آدَمَ كُلُّ مَن صارَ في أعلى دَرَجَةٍ من دينِهِم خَرَجَ مِن مَنزِلَةِ الاِمتِحانِ وَالتَّصفِيَةِ فَهُوَ مَلَكٌ، فَطورا تَخالُهُم نَصارى في أشياءَ، وطَورا دَهرِيَّةٌ يَقولونَ: إنَّ الأَشياءَ عَلى غَيرِ الحَقيقَةِ، فَقد كانَ يَجِبُ عَلَيهِم أن لايَأكُلوا شَيئا مِنَ اللُّحمانِ ؛ لِأَنَّ الدَّوابَّ كُلَّها عِندَهُم مِن وُلدَ آدَمَ حُوِّلوا مِن صُوَرِهِم، فَلا يَجوزُ أكلُ لُحومِ القُرُباتِ.
قالَ: ومَن زَعَمَ أنَّ اللّه‏َ لَم يَزَل ومَعَهُ طينَةٌ مُؤذِيَةٌ، فَلَم يَستَطِعِ التَّفَصِّيَ مِنها إلاّ بِامتِزاجِهِ بِها ودُخولِهِ فيها، فَمِن تِلكَ الطّينَةِ خَلَقَ الأَشياءَ.
قالَ: سُبحانَ اللّه‏ِ وتَعالى!! ما أعجَزَ إلها يوصَفُ بِالقُدرَةِ، لايَستَطيعُ التَّفَصِّيَ مِنَ الطّينَةِ! إن كانَتِ الطّينَةُ حَيَّةً أزَلِيَّةً، فكانا إلهَينِ قَديمَينِ فَامتَزَجا ودَبَّرَا العالَمَ مِن أنفُسِهِما، فَإِن كانَ ذلِكَ كَذلِكَ فَمِن أينَ جاءَ المَوتُ وَالفَناءُ ؟ وإن كانَتِ الطّينَةُ ميتَةً فَلا بَقاءَ لِلمَيِّتِ مَعَ الأَزَلِيِّ القَديمِ، وَالمَيِّتُ لايَجيءُ مِنهُ حَيٌّ. وهذِهِ مَقالَةُ الدّيصانِيَّةِ: أشَدِّ الزَّنادِقَةِ قَولاً، وأمهَنِهِم مَثَلاً، نَظَروا في كُتُبٍ قد صَنَّفَتها أوائِلُهُم،

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9620
صفحه از 216
پرینت  ارسال به