161
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

عَزَّوجَلَّ فَقالوا: «أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً»۱ فَأَماتَهُمُ اللّه‏ُ ثُمَّ أحياهُم.
قالَ: فَأَخبِرني عَمَّن قالَ بِتَناسُخِ الأَرواحِ، مِن أيِّ شَيءٍ قالوا ذلِكَ، وبِأَيِّ حُجَّةٍ قاموا عَلى مَذاهِبِهِم ؟
قالَ: إنَّ أصحابَ التَّناسُخِ قَد خَلَّفوا وَراءَهُم مِنهاجَ الدِّينِ، وزَيَّنوا لِأَنفُسِهِم الضَّلالات، وأمرَجوا۲ أنفُسَهُم فِي الشَّهَواتِ، وزَعَموا أنَّ السَّماءَ خاوِيَةٌ ما فيها شيءٌ مِمّا يوصَفُ، وأنَّ مُدَبِّرَ هذَا العالَمِ في صورَةِ المَخلوقينَ، بِحُجَّةِ مَن رَوى أنَّ اللّه‏َ عَزَّوجَلَّ خَلَقَ آدَمَ عَلى صورَتِهِ، وأنَّهُ لا جَنَّةَ ولا نارَ، ولا بَعثَ ولا نُشورَ، وَالقِيامَةُ عِندَهُم خُروجُ الرُّوحِ مِن قالَبِهِ ووُلوجُهُ في قالَبٍ آخَرَ، إن كانَ مُحسِنا فِي القالَبِ الأَوَّلِ اُعيدَ في قالَبٍ أفضَلَ مِنهُ حَسَنا في أعلى دَرَجَةٍ مِنَ الدُّنيا، وإن كانَ مُسيئا أو غَيرَ عارِفٍ صارَ في بَعضِ الدَّوابِّ المُتعَبَةِ فِي الدُّنيا، أو هَوامٍّ مُشَوَّهَةِ الخِلقَةِ، ولَيسَ عَلَيهِم صَومٌ ولا صَلاةٌ، ولا شَيءٌ مِنَ العِبادَةِ أكثَر مِن مَعرِفَةِ مَن تَجِبَ عَلَيهِم مَعرِفَتُهُ وكُلُّ شَيءٍ مِن شَهَواتِ الدُّنيا مُباحٌ لَهُم: مِن فُروجِ النِّساءِ وغَيرِ ذلِكَ مِنَ الأَخَواتِ وَالبَناتِ وَالخالاتِ وذَواتِ البُعولَةِ.
وكَذلِكَ المَيتَةُ، وَالخَمرُ، وَالدَّمُ، فَاستَقبَحَ مَقالَتَهُم كُلُّ الفِرَقِ، ولَعَنَهُم كُلُّ الاُمَمِ، فَلَمّا سُئِلُوا الحُجَّةَ زاغوا وحادوا، فَكَذَّبَ مَقالَتَهُمُ

1.النساء : ۱۵۳ .

2.المَرْجُ : الموضع تَرعى فيه الدوابّ ، وإرسالها للرعي ، والخلط القاموس المحيط : ۱/۲۰۷ .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
160

وقَد رَجَعَ إلَى الدُّنيا مِمَّن ماتَ خَلقٌ كَثيرٌ، مِنهُم «أصحابُ الكَهفِ» أماتَهُم اللّه‏ُ ثَلاثَمِائَةِ عامٍ وتِسعَةً، ثُمَّ بَعَثَهُم في زَمانِ قَومٍ أنكَرُوا البَعثَ، لِيَقطَعَ حُجَّتَهُ، ولِيُرِيَهُم قُدرَتَهُ ولِيَعلَموا أنَّ البَعثَ حَقٌّ.
وأماتَ اللّه‏ُ «إرمِياءَ» النَّبِيَّ عليه‏السلام الَّذي نَظَرَ إلى خَرابِ بَيتِ المَقدِسِ وما حَولَهُ حينَ غَزاهُم بُختُ نَصَّرَ، وقالَ: «أَنَّى يُحْىِى هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِاْئَةَ عَامٍ»۱، ثُمَّ أحياهُ ونَظَرَ إلى أعضائِهِ كَيفَ تَلتَئِمُ، وكَيفَ تَلبَسُ اللَّحمَ، وإلى مَفاصِلِهِ وعُروقِهِ كَيفَ توصَلُ ؛ فَلَمَّا استَوى قاعِدا قالَ: «أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْ‏ءٍ قَدِيرٌ»۲.
وأحيَا اللّه‏ُ قَوما خَرَجوا عَن أوطانِهِم هارِبين مِنَ الطّاعونِ لا يُحصى عَدَدُهُم، فَأَماتَهُمُ اللّه‏ُ دَهرا طَويلاً حَتّى بُلِيَت عِظامُهُم، وتَقَطَّعَت أوصالُهُم وصاروا تُرابا، فَبَعَثَ اللّه‏ُ في وَقتٍ أحَبَّ أن يُرِيَ خَلقَهُ قُدرَتَهُ نَبِيّا يُقالُ لَهُ: «حِزقيل» فَدَعاهُم فَاجتَمَعَت أبدانُهُم، ورَجَعَت فيها أرواحُهُم، وقاموا كَهَيئَةِ يَومِ ماتوا، لا يَفقِدونَ مِن أعدادِهِم رَجُلاً، فَعاشوا بَعدَ ذلِكَ دَهرا طَويلاً۳.
وإنَّ اللّه‏َ أماتَ قَوما خَرَجوا مَعَ موسى عليه‏السلام حينَ تَوَجَّهَ إلَى اللّه‏ِ

1.البقرة : ۲۵۹ .

2.هذه القصّة مشهورة ، انظر تفسير القمّي : ۱/۸۰ ، وتفسير العيّاشي : ۱ / ۱۳۰ / ۴۳۳ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9627
صفحه از 216
پرینت  ارسال به