159
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

ومِنها قِوامُ الدُّنيا، ولَو حُبِسَت حارَ مَن عَلَيها وهَلَكَ، وَالقَمرَ مِنها يَطلُعُ وهُوَ نورُ اللَّيلِ، وبِهِ يُعلَمُ عَدَدُ السِّنينَ وَالحِسابُ، وَالشُّهورُ وَالأَيّامُ، ولَو حُبِسَ لَحارَ مَن عَلَيها وفَسَدَ التَّدبيرُ، وفِي السَّماءِ النُّجومُ الَّتي يُهتَدى بِها في ظُلُماتِ البَرِّ والبَحرِ، ومِنَ السَّماءِ يَنزِلُ الغَيثُ الَّذي فيهِ حَياةُ كُلِّ شَيءٍ: مِنَ الزَّرعِ وَالنَّباتِ وَالأَنعامِ وكُلِ‏الخَلقِ، لَو حُبِسَ عَنهُم لَما عاشوا، وَالرِّيحُ لَو حُبِسَت أيّاما لَفَسَدَتِ الأَشياءُ جَميعا وتَغَيَّرَت، ثُمَّ الغَيمُ، وَالرَّعدُ وَالبَرقُ وَالصَّواعِقُ ؟! كُلُّ ذلِكَ إنَّما هُوَ دَليلٌ عَلى أنَّ هُناكَ مُدَبِّرا يُدَبِّرُ كُلَّ شَيءٍ ومِن عِندِهِ يَنزِلُ، وقَد كَلَّمَ اللّه‏ُ موسى وناجاهُ، ورَفَعَ اللّه‏ُ عيسَى بنَ مَريَمَ وَالمَلائِكَةُ تَنزِلُ مِن عِندِهِ، غَيرَ أنَّكَ لاتُؤمِنُ بِما لَم تَرَهُ بِعَينِكَ، وفيما تَراهُ بِعَينِكَ كِفايَةٌ إن تَفهَم وتَعقِل.
قالَ: فَلَو أنَّ اللّه‏َ تَعالى رَدَّ إلَينا مِنَ الأَمواتِ في كُلِّ مِائَةِ عامٍ واحِدا لِنَسألَهُ عَمَّن مَضى مِنّا إلى ما صاروا وكَيفَ حالُهُم، وماذا لَقوا بَعدَ المَوتِ، وأيُّ شَيءٍ صُنِعَ بِهِم، لَيَعمَلُ النّاسُ عَلَى اليَقينِ، وَاضمَحَلَ الشَّكُّ، وذَهَبَ الغِلُّ عَنِ القُلوبِ.
قالَ: إنَّ هذِهِ مَقالَةُ مَن أنكَرَ الرُّسُلَ وكَذَّبَهُم، ولَم يُصَدِّق بِما جاؤوا بِهِ مِن عِندِ اللّه‏ِ، إذ أخبَروا وقالوا: إنَّ اللّه‏َ أخبَرَ في كتابِهِ عَزَّوجَلَّ عَلى لِسانِ أنبِيائِهِ، حالَ مَن ماتَ مِنّا، أفَيَكونُ أحَدٌ أصدَقَ مِنَ اللّه‏ِ قَولاً ومِن رُسُلِهِ.


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
158

قالَ: ألَستَ تَقولُ: إنَّ اللّه‏َ تَعالى قالَ: «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»۱ وقَد نَرَى المُضطَرَّ يَدعوهُ فَلا يُجابُ لَهُ، وَالمَظلومَ يَستَنصِرُهُ عَلى عَدُوِّهِ فَلا يَنصُرُهُ ؟
قالَ: وَيحَكَ! ما يَدعوهُ أحَدٌ إلاّ استَجابَ لَهُ. أمَّا الظّالِمُ فَدُعاؤُهُ مَردودٌ إلى أن يَتوبَ إلَى اللّه‏ِ، وأمَّا المُحِقُّ فَإِنَّهُ إذا دَعاهُ استَجابَ لَهُ، وصَرَفَ عَنهُ البَلاءَ مِن حَيثُ لا يَعلَمُهُ، أوِ ادَّخَرَ لَهُ ثَوابا جَزيلاً لِيَومِ حاجَتِهِ إلَيهِ، وإن لَم يَكُنِ الأَمرُ الَّذي سَأَلَ العَبدُ خَيرا لَهُ إن أعطاهُ أمسَكَ عَنهُ، وَالمُؤمِنُ العارِفُ بِاللّه‏ِ رُبَّما عَزَّ عَلَيهِ أن يَدعُوَهُ فيما لا يَدري أصَوابٌ ذلِكَ أم خَطَأٌ، وقَد يَسأَلُ العَبدُ رَبَّهُ إهلاكَ مَن لَم تَنقَطِع مُدَّتُهُ! ويَسألُ المَطَرَ وَقتا ولَعَلَّهُ أوانٌ لا يَصلَحُ فيهِ المَطَرُ! لِأَ نَّهُ أعرَفُ بِتَدبيرِ ما خَلَقَ مِن خَلقِهِ، وأشباهُ ذلِكَ كَثيرَةٌ فَافهَم هذا.
قالَ: فَأَخبِرني ـ أيُّهَا الحَكيمُ ! ـ ما بالُ السَّماءِ لا يَنزِلُ مِنها إلَى الأَرضِ أحدٌ ولا يَصعَدُ مِنَ الأَرضِ إلَيها بَشَرٌ، ولا طَريقٌ إلَيها، ولا مَسلَكٌ، فَلَو نَظَرَ العِبادُ في كُلِّ دَهرٍ مَرَّةً مَن يَصعَدُ إلَيها ويَنزِلُ، لَكانَ ذلِكَ أثبَتُ فِي الرُّبوبِيَّةِ وأنفى لِلشَّكِّ وأقوى لِليَقينِ، وأجدَرُ أن يَعلَمَ العِبادُ أنَّ هُناكَ مُدَبِّرا إلَيهِ يَصعَدُ الصّاعِدُ ومِن عِندِهِ يَهبِطُ الهابِطُ ؟!
قالَ عليه‏السلام: إنَّ كُلَّ ما تَرى فِي الأَرضِ مِنَ التَّدبيرِ إنَّما هُوَ يَنزِلُ مِنَ السَّماءِ، ومِنها يَظهَرُ. أما تَرَى الشَّمسَ مِنها تَطلُعُ وهِيَ نورُ النَّهارِ،

1.غافر : ۶۰ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9633
صفحه از 216
پرینت  ارسال به