157
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

شَيءٍ خَلَقَهُ اللّه‏ُ تَعالى لِمَ خَلَقَهُ ؟ ولِأَيِّ شَيءٍ أنشَأَهُ ؟ لكِنّا قَد ساوَيناهُ في عِلمِهِ، وعَلِمنا كُلَّما يَعلَمُ وَاستَغنَينا عَنهُ، وكُنّا وهُوَ فِي العِلمِ سَواءً.
قالَ: فَأَخبِرني هَل يُعابُ شَيءٌ مِن خَلقِ اللّه‏ِ وتَدبيرِهِ ؟
قالَ: لا.
قالَ: فَإِنَّ اللّه‏َ خَلَقَ خَلقَهُ غَرَلاً۱، أذلِكَ مِنهُ حِكمَةٌ أم عَبَثٌ ؟ قالَ: بَل حِكمَةٌ مِنهُ.
قالَ: غَيَّرتُم خَلقَ اللّه‏ِ، وجَعَلتُم فِعلَكُم في قَطعِ الغُلفَةِ أصوَب مِمّا خَلَقَ اللّه‏ُ لَها، وعِبتُم الأَغلَفَ واللّه‏ُ خَلَقَهُ، ومَدَحتُمُ الخِتانَ وهُوَ فِعلُكُم. أم تَقولونَ إنَّ ذلِكَ مِنَ اللّه‏ِ كانَ خَطَأً غَيرَ حِكَمَةٍ ؟!
قالَ عليه‏السلام: ذلِكَ مِنَ اللّه‏ِ حِكمَةٌ وصَوابٌ، غَيرَ أنَّهُ سَنَّ ذلِكَ وأوجَبَهُ عَلى خَلقِهِ، كَما أنَّ المَولودَ إذا خَرَجَ مِن بَطنِ اُمِّهِ وَجَدنا سُرَّتَهُ مُتَّصِلَةً بِسُرَّةِ اُمِّهِ، كَذلِكَ خَلَقَهَا الحَكيمُ فَأَمَرَ العِبادَ بِقَطعِها، وفي تَركِها فَسادٌ بَيِّنٌ لِلمَولودِ وَالاُمِّ. وكَذلِكَ أظفارُ الإِنسانِ أمَرَ إذا طالَت أن تُقَلَّمَ، وكانَ قادِرا يَومَ دَبَّرَ خَلقَ الإِنسانِ أن يَخلُقَها خِلقَةً لا تَطولُ، وكَذلِكَ الشَّعرُ مِنَ الشّارِبِ وَالرَّأسِ يَطولُ فَيُجَزُّ، وكَذلِكَ الثّيرانُ خَلَقَهَا اللّه‏ُ فُحولَةً وإخصاؤُها أوفَقُ، ولَيسَ في ذلِكَ عَيبٌ في تَقدِيرِ اللّه‏ِ عَزَّوجَلَّ.

1.الغُرْلَةُ : مثلُ القُلفَةِ وزنا ومعنىً ، وغَرِلَ غَرَلاً : إذا لم يختن المصباح المنير : ۴۴۶ .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
156

زَمانا، فَلا ذاكَ نَفَعَهُ عِلمُهُ بِطِبِّهِ عِندَ انقِطاعِ مُدَّتِهِ وحُضورِ أجَلِهِ، ولا هذِهِ ضَرَّهُ الجَهلُ بِالطِّبِّ مَعَ بَقاءِ المُدَّةِ وتَأَخُّرِ الأَجَلِ...
قالَ: فَأَخبِرني عَنِ اللّه‏ِ عَزَّوجَلَّ ألَهُ شَريكٌ في مُلكِهِ، أو مُضادٌّ لَهُ في تَدبيرِهِ ؟
قالَ: لا.
قالَ: فَما هذَا الفَسادُ المَوجودُ في هذَا العالَمِ: مِن سِباعٍ ضارِيَةٍ، وهَوامٍّ مُخَوِّفَةٍ، وخَلقٍ كَثيرٍ مُشَوَّهَةٍ، ودودٍ وبَعوضٍ، وحَيّاتٍ وعَقارِبَ، وزَعَمتَ أنَّهُ لا يَخلُقُ شَيئا إلاّ لِعِلَّةٍ، لِأَ نَّهُ لا يَعبَثُ ؟!
قالَ: ألَستَ تَزعُمُ أنَّ العَقارِبَ تَنفَعُ مِن وَجَعِ المَثانَةِ وَالحَصاةِ، ولِمَن يَبولُ فِي الفِراشِ، وأنَّ أفضَلَ التِّرياقِ ما عولِجَ مِن لُحومِ الأَفاعي، فَإِنَّ لُحومَها إذا أكَلَهَا المَجذومُ بِشَبٍّ۱ نَفَعَهُ، وتَزعُمُ أنَّ الدّودَ الأَحمَرَ الَّذي يُصابُ تَحتَ الأَرضِ نافِعٌ لِلآكِلَةِ ؟
قالَ: نَعَم.
قالَ عليه‏السلام: فَأَمَّا البَعوضُ وَالبَقُّ فَبَعضُ سَبَبِهِ أنَّهُ جُعِلَ أرزاقَ بَعضِ الطَّيرِ، وأهانَ بِها جَبّارا تَمَرَّدَ عَلَى اللّه‏ِ وتَجَبَّرَ، وأنكَرَ رُبوبِيَّتَهُ، فَسَلَّطَ اللّه‏ُ عَلَيهِ أضعَفَ خَلقِهِ لِيُرِيَهُ قُدرَتَهُ وعَظَمَتَهُ، وهِيَ البَعوضَةُ فَدَخَلَت في مِنخَرِهِ حَتّى وَصَلَت إلى دِماغِهِ فَقَتَلَتهُ. وَاعلَم أنّا لَو وَقَفنا عَلى كُلِّ

1.الشَّبُّ : دواء معروف ، وقيل : الشبُّ شيء يشبه الزاج لسان العرب : ۱ / ۴۸۳ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11059
صفحه از 216
پرینت  ارسال به