153
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

بِالطّاعَةِ نالوا مِن اللّه‏ِ الكَرامَةَ وَالمَنزِلَةَ الرَّفيعَةَ عِندَهُ، وهؤُلاءِ الَّذينَ لَهُمُ الشَّرَفُ وَالفَضلُ والحَسَبُ، وسائِرُ النّاسِ سِواءٌ، ألا مَنِ اتَّقَى اللّه‏َ أكرَمَهُ، ومَن أطاعَهُ أحَبَّهُ، ومَن أحَبَّهُ لَم يُعَذِّبهُ بِالنّارِ.
قالَ: فَأَخبِرني عَنِ اللّه‏ِ عَزَّوجَلَّ كَيفَ لَم يَخلُقِ الخَلقَ كُلَّهم مُطيعينَ مُوَحِّدينَ وكانَ عَلى ذلِكَ قادِرا ؟
قالَ عليه‏السلام: لَو خَلَقَهُم مُطيعينَ لَم يَكُن لَهُم ثَوابٌ ؛ لِأَنَّ الطّاعَةَ إذا ما كانتَ فِعلَهُم لَم تَكُن جَنَّةٌ ولا نارٌ، ولكِن خَلَقَ خَلقَهُ فَأَمَرَهُم بِطاعَتِهِ ونَهاهُم عَن مَعصِيَتِهِ وَاحتَجَّ عَلَيهِم بِرُسُلِهِ وقَطَعَ عُذرَهُم بِكُتُبِهِ، لِيَكونوا هُمُ الَّذينَ يُطيعونَ ويَعصونَ ويَستَوجِبونَ بِطاعَتِهِم لَهُ الثَّوابَ وبِمَعصِيَتِهِم إيّاهُ العِقابَ.
قالَ: فَالعَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ، وَالعَمَلُ الشَرُّ مِنَ العَبدِ هُوَ فِعلُهُ.
قالَ: العَمَلُ الصّالِحُ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّه‏ُ بِهِ أمَرَهُ، والعَمَلُ الشَّرُّ مِنَ العَبدِ بِفِعلِهِ وَاللّه‏ُ عَنهُ نَهاهُ.
قالَ: ألَيسَ فَعَلَهُ بِالآلَةِ الَّتي رَكَّبَها فيهِ ؟
قالَ: نَعَم، ولكِن بِالآلَةِ الَّتي عَمِلَ بِهَا الخَيرَ قَدَرَ عَلَى الشَّرِّ الَّذي نَهاهُ عَنهُ.
قالَ: فَإِلَى العَبدِ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ ؟
قالَ: ما نَهاهُ اللّه‏ُ عَن شَيءٍ إلاّ وقَد عَلِمَ أنَّهُ يُطيقُ تَركَهُ، ولا أمَرَهُ


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
152

الهَرَمَ وَالآفَةَ وَالأَمراضَ، ولَنَفَى البَياضَ عَن رَأسِهِ وَالفَقرَ عَن ساحَتِهِ، وإنَّ مِن أكبَرِ السِّحرِ النَّميمَةَ، يُفَرَّقُ بِها بَينَ المُتَحابَّينِ، ويُجلَبُ العَداوَةُ عَلَى المُتصافَيَينِ، ويُسفَكُ بِهَا الدِّماءُ، ويُهدَمُ بِهَا الدّورُ ويُكشَفُ بِهَا السُّتورُ، والنَّمامُ أشَرُّ مَن وَطِئَ الأَرضَ بِقَدَمٍ، فَأَقرَبُ أقاويلِ السِّحرِ مِنَ الصَّوابِ أنَّهُ بِمَنزِلَةِ الطِّبِّ، إنَّ السّاحِرَ عالَجَ الرَّجُلَ فَامتَنَعَ مِن مُجامَعَةِ النِّساءِ فَجاءَ الطَّبيبَ فَعالَجَهُ بِغَيرِ ذلِكَ العِلاجِ، فَاُبر ِئَ.
قالَ: فَما بالُ وُلدِ آدَمَ فيهِم شَريفٌ ووَضيعٌ ؟
قالَ: الشَّريفُ المُطيعُ، وَالوَضيعُ العاصي.
قالَ: ألَيسَ فيهِم فاضِلٌ ومَفضولٌ ؟
قالَ: إنَّما يَتَفاضَلونَ بِالتَّقوى.
قالَ: فَتَقولُ إنَّ وُلدَ آدَمَ كُلَّهم سِواءٌ فِي الأَصلِ لا يَتَفاضَلونَ إلاّ بِالتَّقوى ؟
قالَ: نَعَم. إنّي وَجَدتُ أصلَ الخَلقِ التُّرابَ، وَالأَبُ آدَمُ وَالاُمُّ حَوّاءُ، خَلَقَهُم إلهٌ واحِدٌ وهُم عَبيدُهُ، إنَّ اللّه‏َ عَزَّوجَلَّ اختارَ مِن وُلدِ آدَمَ اُناسا طَهَّرَ ميلادَهُم، وطَيَّبَ أبدانَهُم، وحَفِظَهُم في أصلابِ الرِّجالِ وأرحامِ النِّساءِ، أخرَجَ مِنهُمُ الأَنبِياءَ وَالرُّسُلَ، فَهُم أزكى فُروعِ آدَمَ، ما فَعَلَ ذلِكَ لِأَمرٍ استَحَقّوهُ مِنَ اللّه‏ِ عَزَّوجَلَّ ولكِن عَلِمَ اللّه‏ُ مِنهُم ـ حينَ ذَرَأَهُم ـ أنَّهُم يُطيعونَهُ ويَعبُدونَهُ ولا يُشرِكونَ بِهِ شَيئا فَهؤُلاءِ

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11064
صفحه از 216
پرینت  ارسال به