151
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

يوصَفُ من عَجائِبِهِ، وما يَفعَلُ ؟
قالَ عليه‏السلام: إنَّ السِّحرَ عَلى وُجوهٍ شَتّى: وَجهٌ مِنها: بِمَنزِلَةِ الطِّبِّ، كما أنَّ الأَطِبّاءَ وَضَعوا لِكُلِّ داءٍ دَواءً، فَكَذلِكَ عِلمُ السِّحرِ، اِحتالوا لِكُلِّ صِحَّةٍ آفَةً، ولِكُلِّ عافِيَةٍ عاهَةً، ولِكُلِّ مَعنىً حيلَةً.
ونَوعٌ مِنهُ آخَرُ: خَطفَةٌ وسُرعَةٌ ومَخاريقُ وخِفَّةٌ. ونَوعٌ مِنهُ: ما يَأخُذُ أولياءُ الشَّياطينِ عَنهُم.
قالَ: فَمِن أينَ عَلِمَ الشَّياطينُ السِّحرَ ؟
قالَ: مِن حَيثُ عَرَفَ الأَطِبّاءُ الطِّبَّ، بَعضُهُ تَجرِبَةٌ وبَعضُهُ عِلاجٌ.
قالَ: فَما تَقولُ فِي المَلَكين: هاروتَ وماروتَ ؟ وما يَقولُ النّاسُ بِأَنَّهُما يُعَلِّمانِ النّاسَ السِّحرَ ؟
قالَ: إنَّهُما مَوضِعُ ابتِلاءٍ ومَوقِفُ فِتنَةٍ، تَسبيحُهُما: اليَومَ لَو فَعَلَ الإِنسانُ كَذا وكَذا لَكانَ كَذا، ولَو يُعالِجُ بِكَذا وكَذا لَصارَ كَذا، أصنافُ السِّحرِ فَيَتَعَلَّمونَ مِنهُما ما يَخرُجُ عَنهُما، فَيَقولانِ لَهُم: إنَّما نَحنُ فِتنَةٌ فَلا تَأخُذوا عَنّا ما يَضُرُّكُم ولا يَنفَعُكُم.
قالَ: أفَيَقدِرُ السّاحِرُ أن يَجعَلَ الإِنسانَ بِسِحرِهِ في صُورَةِ الكَلبِ أوِ الحِمارِ أو غَيرِ ذلِكَ ؟
قالَ: هُوَ أعجَزُ مِن ذلِكَ، وأضعَفُ مِن أن يُغَيِّرَ خَلقَ اللّه‏ِ، إنَّ مَن أبطَلَ ما رَكَّبَهُ اللّه‏ُ وصَوَّرَهُ وغَيَّرَهُ فَهُوَ شَريكُ اللّه‏ِ في خَلقِهِ، تَعالَى اللّه‏ُ عَن ذلِكَ عُلُوّا كَبيرا. لَو قَدَرَ السّاحِرُ عَلى ما وَصَفتَ لَدَفَعَ عَن نَفسِهِ


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
150

بِلُطفِ الحيلَةِ إلى قُلوبِهِم، فَيُوَسوِسُ إلَيهِم فَيُشَكِّكُهُم في رَبِّهِم، ويُلَبِّسُ عَلَيهِم دينَهُم، فَيَزيلُهُم عَن مَعرِفَتِهِ، حَتّى أنكَرَ قَومٌ لَمّا وَسوَسَ إلَيهِم رُبوبِيَّتَهُ، وعَبَدوا سِواهُ، فَلِمَ سَلَّطَ عَدُوَّهُ عَلى عَبيدِهِ، وجَعَلَ لَهُ السَّبيلَ إلى إغوائِهِم ؟
قالَ: إنَّ هذَا العَدُوَّ الَّذي ذَكَرتَ لا تَضُرُّهُ عَداوَتُهُ، ولا تَنفَعُهُ وِلايَتُهُ. وعَداوَتُهُ لا تَنقُصُ مِن مُلكِهِ شَيئا، ووِلايَتُهُ لا تَزيدُ فيهِ شَيئا، وإنَّما يُتَّقَى العَدُوُّ إذا كانَ في قُوَّةٍ يَضُرُّ ويَنفَعُ، إن هَمَّ بِمُلكٍ أخَذَهُ، أو بِسُلطانٍ قَهَرَهُ، فَأَمَّا إبليسُ فَعَبدٌ، خَلَقَهُ لِيَعبُدَهُ ويُوَحِّدَهُ، وقَد عَلِمَ حينَ خَلَقَهُ ما هُوَ وإلى ما يَصيرُ إلَيهِ، فَلَم يَزَل يَعبُدُهُ مَعَ مَلائِكَتِهِ حَتَّى امتَحَنَهُ بِسُجودِ آدَمَ، فَامتَنَعَ مِن ذلِكَ حَسَدا وشِقاوَةً غَلَبَت عَلَيهِ فَلَعَنَهُ عِندَ ذلِكَ، وأخرَجَهُ عَن صُفوفِ المَلائِكَةِ، وأنزَلَهُ إلَى الأَرضِ مَلعونا مَدحورا فَصارَ عَدُوَّ آدَمَ ووُلدِهِ بِذلِكَ السَّبَبِ، وما لَهُ مِنَ السَّلطَنَةِ عَلى وُلدِهِ إلاَّ الوَسوَسَةَ، وَالدُّعاءَ إلى غَيرِ السَّبيلِ، وقَد أقَرَّ مَعَ مَعصِيَتِهِ لِرَبِّهِ بِرُبوبِيَّتِهِ.
قالَ: أفَيَصلَحُ السُّجودُ لِغَيرِ اللّه‏ِ ؟
قالَ: لا.
قالَ: فَكَيفَ أمَرَ اللّه‏ُ المَلائِكَةَ بِالسُّجودِ لاِدَمَ ؟ فَقالَ: إنَّ مَن سَجَدَ بِأَمرِ اللّه‏ِ فَقَد سَجَدَ للّه‏ِِ، فَكانَ سُجودُهُ للّه‏ِِ إِذا كانَ عَن أمرِ اللّه‏ِ تَعالى...
قالَ: فَأَخبِرني عَنِ السِّحرِ ما أصلُهُ ؟ وكيف يَقدِرُ السّاحِرُ عَلى ما

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11068
صفحه از 216
پرینت  ارسال به