149
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

قالَ: فَلَم يَزَل يَعلَمُ فَخَلَقَ ما عَلِمَ.
قالَ: أمُختَلِفٌ هُوَ أم مُؤتَلِفٌ ؟
قالَ: لا يَليقُ بِهِ الاِختِلافُ ولاَ الاِيتِلافُ، إنَّما يَختَلِفُ المُتَجَزِّي، ويَأتَلِفُ المُتَبَعِّضُ، فَلا يُقالُ لَهُ: مُؤتَلِفٌ ولا مُختَلِفٌ.
قالَ: فَكَيفَ هُوَ اللّه‏ُ الواحِدُ ؟
قالَ: واحِدٌ في ذاتِهِ، فَلا واحِدَ كَواحِدٍ ؛ لِأَنَّ ما سِواهُ مِنَ الواحِدِ مُتَجَزٍّ وهُوَ تَبارَكَ وتَعالى واحِدٌ لايَتَجَزّى، ولا يَقَعُ عَلَيهِ العَدُّ.
قالَ: فَلِأَيِّ عِلَّةٍ خَلَقَ الخَلقَ وهُوَ غَيرُ مُحتاجٍ إلَيهِم، ولا مُضطَرٍّ إلى خَلقِهِم، ولا يَليقُ بِهِ التَّعَبُّثُ بِنا ؟
قالَ: خَلَقَهُم لاِءِظهارِ حِكمَتِهِ وإنفاذِ عِلمِهِ وإمضاءِ تَدبيرِهِ.
قالَ: وكَيفَ لا يَقتَصِرُ عَلى هذِهِ الدّارِ فَيَجعَلُها دارَ ثَوابِهِ ومُحتَبَسَ عِقابِهِ ؟
قالَ: إنَّ هذِهِ الدّارَ دارُ ابتِلاءٍ، ومَتجَرُ الثَّوابِ، ومُكتَسَبُ الرَّحمَةِ، مُلِئَت آفاتٍ، وطُبِّقَت شَهواتٍ، لِيَختَبِرَ فيها عَبيدَهُ بِالطّاعَةِ، فَلا يَكونُ دارُ عَمَلٍ دارَ جَزاءٍ.
قالَ: أفَمِن حِكمَتِهِ أن جَعَلَ لِنَفسِهِ عَدُوّا، وقَد كانَ ولا عَدُوَّ لَهُ، فَخَلَقَ كَما زَعَمتَ «إبليسَ» فَسَلَّطَهُ عَلى عَبيدِهِ يَدعوهُم إلى خِلافِ طاعَتِهِ، ويَأمُرُهُم بِمَعصِيَتِهِ، وجَعَلَ لَهُ مِنَ القُوَّةِ كمازَعَمتَ، يَصِلُ


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
148

بَعدِهِ، وإنَّما كانَ عِلَّةُ اختِلافِهِم خِلافَهُم عَلَى الحُجَّةِ وتَركَهُم إيّاهُ.
قالَ: فَما يُصنَعُ بِالحُجَّةِ إذا كانَ بِهذِهِ الصِّفَةِ ؟
قالَ: قَد يُقتَدى بِهِ ويَخرُجُ عَنهُ الشَّيءُ بَعدَ الشَّيءِ مَكانَهُ مَنفَعَةَ الخَلقِ وصَلاحَهُم، فَإِن أحدَثوا في دينِ اللّه‏ِ شَيئا أعلَمَهُم وإن زادوا فيهِ أخبَرَهُم، وإن نَقَصوا مِنهُ شَيئا أفادَهُم.
ثُمَّ قالَ الزِّنديقُ: مِن أيِّ شَيءٍ خَلَقَ اللّه‏ُ الأَشياءَ ؟
قالَ عليه‏السلام: مِن لا شَيءٍ. فَقالَ: كَيفَ يَجيءُ مِن لا شَيءٍ شَيءٌ ؟
قالَ عليه‏السلام: إنَّ الأَشياءَ لا تَخلو أن تَكونَ خُلِقَت مِن شَيءٍ أو مِن غَيرِ شَيءٍ، فَإِن كانَت خُلِقَت مِن شَيءٍ كانَ مَعَهُ، فَإِنَّ ذلِكَ الشَّيءَ قَديمٌ وَالقَديمُ لا يَكونُ حَديثا ولا يَفنى ولا يَتَغَيَّرُ، ولا يَخلو ذلِكَ الشَّيءُ مِن أن يَكونَ جَوهَرا واحِدا ولَونا واحِدا، فَمِن أينَ جاءَت هذِهِ الأَلوانُ المُختَلِفَةُ، وَالجَواهِرُ الكَثيرَةُ المَوجودَةُ في هذَا العالَمِ مِن ضُروبٍ شَتّى ؟ ومِن أينَ جاءَ المَوتُ إن كانَ الشَّيءُ الَّذي اُنشِئَت مِنهُ الأَشياءُ حَيّا ؟ ومِن أينَ جاءَتِ الحَياةُ إن كانَ ذلِكَ الشَّيءُ مَيِّتا ؟ ولا يَجوزُ أن يَكونَ مِن حَيٍّ ومَيِّتٍ قَديمَينِ لَم يَزالا ؛ لِأَنَّ الحَيَّ لا يَجيءُ مِنهُ مَيِّتٌ وهُوَ لَم يَزَل حَيّا، ولا يَجوزُ أيضا أن يَكونَ المَيِّتُ قَديما لَم يَزَل بِما هُوَ بِهِ مِنَ المَوتِ، لِأَنَّ المَيِّتَ لا قُدرَةَ لَهُ ولا بَقاءَ...
قالَ: فَلَم يَزَل صانِعُ العالَمِ عالِما بِالأَحداثِ الَّتي أحدَثَها قَبلَ أن يُحدِثَها ؟

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11082
صفحه از 216
پرینت  ارسال به